وقيل: بظَنين: بضعيف. حكاه الفراء والمبرد يقال: رجل ظنِين: أي ضعيف. وبئر ظَنونٌ: إذا كانت قليلة الماء قال الأعشى:
ما جُعِل الجُدُّ الظَّنونُ الذي
جُنِّب صَوْبَ اللجِبِ الماطِرِ
مِثلَ الفُراتِيِّ إذا ما طما
يقذِف بالبُوصِيِّ والماهِرِ
والظَّنون: الدين الذي لا يدري أيقضيه آخذه أم لا؟ ومنه حديث عليّ عليه السلام في الرجل يكون له الدين الظنون، قال: يزكيه لما مضى إذا قبضه إن كان صادقاً. والظَّنون: الرجل السيِّيء الخلق فهو لفظ مشترك. { وَمَا هُوَ } يعني القرآن { بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } أي مرجوم ملعون، كما قالت قريش. قال عطاء: يريد بالشيطان الأبيض الذي كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة جبريل يريد أن يفتنه. { فَأيْنَ تَذْهَبُونَ } قال قتادة: فإلى أين تعدِلون عن هذا القول وعن طاعته. كذا روَى مَعْمر عن قتادة أي أين تذهبون عن كتابي وطاعتي. وقال الزجاج: فأيّ طريقة تسلكون أبين من هذه الطريقة التي بَيَّنت لكم. ويقال: أين تذهب؟ وإلى أين تذهب؟ وحكى الفراء عن العرب: ذهبت الشامَ وخرجت العراقَ وٱنطلقت السوقَ: أي إليها. قال: سمعناه في هذه الأحرف الثلاثة وأنشد بعض بني عُقَيل:
تصِيح بنا حنِيفةُ إذْ رأتنا
وأيَّ الأرضِ تذهبُ بالصياحِ
يريد إلى أي أرض تذهب، فحذف إلى. وقال الجنيد: معنى الآية مقرون بآية أخرى، وهي قوله تعالى:{ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ } [الحجر: 21] المعنى: أيَّ طريق تسلكون أبينَ من الطريق الذي بينه الله لكم. وهذا معنى قول الزجاج. { إِنْ هُوَ } يعني القرآن { إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } أي مَوْعظة وزَجْر. و «إنْ» بمعنى «ما». وقيل: ما محمد إلا ذِكر. { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ } أي يتبع الحق ويقيم عليه. وقال أبو هريرة وسليمان بن موسى: لما نزلت { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ } قال أبو جهل: الأمر إلينا. إن شئنا ٱستقمنا، وإن شئنا لم نستقم ـ وهذا هو القَدَر، وهو رأس القَدَرية ـ فنزلت: { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } ، فبين بهذا أنه لا يعمل العبد خيراً إلا بتوفيق الله، ولا شراً إلا بخذلانه. وقال الحسن: والله ما شاءت العرب الإسلام حتى شاءه الله لها. وقال وهب بن مُنبه: قرأتُ في سبعة وثمانين كتاباً مما أنزل الله على الأنبياء: من جعل إلى نفسه شيئاً من المشيئة فقد كفر. وفي التنزيل:{ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [الأنعام: 111]. وقال تعالى:{ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } [يونس: 100]. وقال تعالى:{ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [القصص: 56] والآي في هذا كثير، وكذلك الأخبار، وأن الله سبحانه هدى بالإسلام، وأضل بالكفر، كما تقدم في غير موضع. ختمت السورة والحمد لله.