الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً }

" وأنْقُوا البَشَرة " أراد غسل الفرج وتنظيفه، وأنه كنّى بالبَشَرة عن الفرج. قال ابن وهب: ما رأيت أحداً أعلم بتفسير الأحاديث من ٱبن عيينة. الثاني ـ أن الحديث أخرجه أبو داود في سننه وقال فيه: وهذا الحديث ضعيف كذا في رواية ٱبن داسة. وفي رواية اللُّؤْلِئيّ عنه: الحارث بن وَجيه ضعيف، حديثه منكر فسقط الاستدلال بالحديث، وبقِي المعوّل على اللسان كما بينا. ويعْضُدُه ما ثبت في صحيح الحديث. أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بصبيّ فبال عليه، فدعا بماء فأتبعَه بولَه ولم يغسله روته عائشة، ونحوه عن أُم قيس بنت محصن أخرجهما مسلم. وقال الجمهور من العلماء وجماعة الفقهاء: يُجزِىء الجُنُب صَبُّ الماء والانغماس فيه إذا أسبغ وعمّ وإن لم يتدلّك على مقتضى حديث ميمونة وعائشة في غسل النبيّ صلى الله عليه وسلم. رواهما الأئمة. وأن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يُفيض الماء على جسده وبه قال محمد بن عبد الحكم، وإليه رجع أبو الفرج ورواه عن مالك قال: وإنما أمر بإمرار اليدين في الغسل لأنه لا يكاد من لم يُمِرّ يديه عليه يسلم من تنكّبِ الماء عن بعض ما يجب عليه من جسده. وقال ٱبن العربي: وأعجب لأبي الفرج الذي روى وحكى عن صاحب المذهب أن الغسل دون ذلك يجزىء! وما قاله قَطُّ مالكٌ نصّا ولا تَخْرِيجاً، وإنما هي من أوهامه. قلت: قد رُوِي هذا عن مالك نصاً قال مروان بن محمد الظاهري وهو ثِقة من ثِقات الشاميين: سألت مالك بن أنس عن رجلٍ ٱنغمس في ماء وهو جُنُب ولم يتوضأ، قال: مضت صلاته. قال أبو عمر: فهذه الرواية فيها لم يتدَلّك ولا توضأ، وقد أجزأه عند مالك. والمشهور من مذهبه أنه لا يُجزِئه حتى يتدَلّك قياساً على غَسْل الوجه واليدين. وحجة الجماعة أن كل من صبّ عليه الماء فقد ٱغتسل. والعرب تقول: غسلتني السماءُ. وقد حكت عائشة وميمونة صفة غُسْل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكرا تَدَلُّكا، ولو كان واجباً ما تركه لأنه المبيّن عن الله مرادَه، ولو فعله لنُقِل عنه كما نُقِل تخليلُ أُصولِ شعره بالماء وغَرْفه على رأسه، وغير ذلك من صفة غُسْله ووضوئه عليه السلام. قال أبو عمر: وغير نكير أن يكون الغسل في لسان العرب مرةً بالعَرْكِ ومرة بالصّبّ والإفاضة وإذا كان هذا فلا يمتنع أن يكون الله جل وعز تعبّد عِباده في الوضوء بإمرار أيديهم على وجوههم مع الماء ويكون ذلك غسلاً، وأن يفيضوا الماء على أنفسهم في غُسل الجنابة والحيض، ويكون ذلك غسلاً موافقاً للسنة غير خارج من اللغة، ويكون كل واحد من الأمرين أصلاً في نفسه، لا يجب أن يردّ أحدهما إلى صاحبه لأن الأُصول لا يُردّ بعضها إلى بعض قياساً ـ وهذا ما لا خلاف فيه بين علماء الأُمة.

PreviousNext
1 2 3 4 5 6 7 8 10  مزيد