الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً }

وقد راعى بعضهم في التفضيل الِّلحْيَة وليس بشيء فإن الَّلحْيَة قد تكون وليس معها شيء مما ذكرنا وقد مضى الردّ على هذا في «البقرة». الثالثة ـ فَهِم العلماء من قوله تعالى: { وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } أنه متى عجز عن نفقتها لم يكن قوّاماً عليها، وإذا لم يكن قَوّاماً عليها كان لها فسخ العقد لزوال المقصود الذي شُرع لأجله النكاح. وفيه دلالة واضحةٌ من هذا الوجه على ثبوت فسخ النكاح عند الإعسار بالنفقة والكسوة وهو مذهب مالك والشافعي. وقال أبو حنيفة لا يفسخ لقوله تعالى:وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ } [البقرة: 280] وقد تقدّم القول في هذا في هذه السورة. الرابعة ـ قوله تعالى: { فَٱلصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ } هذا كله خبر، ومقصوده الأمر بطاعة الزوج والقيام بحقه في مالِه وفي نفسها في حال غيبة الزوج. وفي مسند أبي داود الطيالسي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خير النساء التي إذا نظرت إليها سَرّتْك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غِبْتَ عنها حفِظتك في نفسها ومالِك " قال: وتلا هذه الآية { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } إلى آخر الآية. وقال صلى الله عليه وسلم لعمر: " ألا أخبرك بخير ما يكنزه المرء المرأةُ الصالحة إذا نظر إليها سرّتْه وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته " أخرجه أبو داود. وفي مصحف ابن مسعود " فالصّوالح قوانِت حوافِظ " وهذا بناء يختص بالمؤنث. قال ابن جِنَّي: والتكسير أشبه لفظاً بالمعنى إذا هو يعطي الكثرة وهي المقصود ها هنا. و { مَآ } في قوله: { بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ } مصدرية، أي بحفظ الله لهنّ. ويصح أن تكون بمعنى الذي، ويكون العائد في «حفظ» ضمير نصب وفي قراءة أبي جعفر «بما حفط الله» بالنصب قال النحاس: الرفع أبين أي حافظات لمغيب أزواجهن بِحفظ الله ومعونته وتسديده. وقيل: بما حفِظهن الله في مهورهن وعشرتهن. وقيل: بما استحفظهن الله إياه من أداء الأمانات إلى أزواجهن. ومعنى قراءة النصب: بحفظهن الله أي بحفظهن أمره أو دينه. وقيل في التقدير: بما حفظن الله، ثم وُحِّد الفعل كما قيل:
فـإن الحـوادث أَودَى بهـا   
وقيل: المعنى بحفظٍ الله مثل حفِظتُ الله. الخامسة: قوله تعالى: { وَٱللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } اللاتي جمع التي وقد تقدّم. قال ابن عباس: تخافون بمعنى تعلمون وتتيقَّنون. وقيل هو على بابه. والنُّشوز العصيان مأخوذ من النَّشْز، وهو ما ارتفع من الأرض. يقال: نَشَز الرجل يُنشز وينشز إذا كان قاعداً فنهض قائماً ومنه قوله عز وجل:وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ } [المجادلة: 11] أي ارتفعوا وانهضوا إلى حرب أو أمر من أمور الله تعالى. فالمعنى: أي تخافون عِصيانهن وتعاليهن عما أوجب الله عليهن من طاعة الأزواج.

PreviousNext
1 3 4 5