الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَٰتُكُمْ وَبَنَٰتُكُمْ وَأَخَوَٰتُكُمْ وَعَمَّٰتُكُمْ وَخَالَٰتُكُمْ وَبَنَاتُ ٱلأَخِ وَبَنَاتُ ٱلأُخْتِ وَأُمَّهَٰتُكُمُ الَّٰتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَٰئِلُ أَبْنَائِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلَٰبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }

ويؤيد هذا القول من جهة الإعراب أن الخبرين إذا ٱختلفا في العامل لم يكن نعتهما واحداً فلا يجوز عند النحويين مررت بنسائك وهربت من نساء زيد الظريفات، على أن تكون «الظريفات» نعتاً لنسائك ونساء زيد فكذلك الآية لا يجوز أن يكون { اللاَّتِي } من نعتهما جميعاً لأن الخبرين مختلفان، ولكنه يجوز على معنى أعني. وأنشد الخليل وسيبويه:
إنّ بِها أكْتَلَ أو رِزامَا   خُوَيْرَبَيْنِ يَنْقُفَانِ الْهَامَا
خُوَيْرَبَيْن يعني لِصَّين، بمعنى أعني. وينقفان: يكسِران نقفت رأسه كسرته. وقد جاء صريحاً من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: " إذا نكح الرجل المرأة فلا يحل له أن يتزوّج أُمّها دخل بالبنت أو لم يدخل وإذا تزوّج الأُم فلم يدخل بها ثم طلقها فإن شاء تزوّج البنت " أخرجه في الصحيحين. الثانية ـ وإذا تقرّر هذا وثبت فٱعلم أن التحريم ليس صفة للأعيان، والأعيان ليست مورداً للتحليل والتحريم ولا مصدراً، وإنما يتعلق التكليف بالأمر والنهي بأفعال المكلَّفين من حركة وسكون لكن الأعيان لما كانت مورداً للأفعال أضيف الأمر والنهي والحكم إليها وعُلِّق بها مجازاً على معنى الكناية بالمحل عن الفعل الذي يحِلّ به. الثالثة ـ قوله تعالىٰ: «أُمَّهَاتُكُمْ» تحريم الأُمهات عامّ في كل حال لا يتخصص بوجهٍ من الوجوه ولهذا يسميه أهل العلم المبهم، أي لا باب فيه ولا طريق إليه لانسداد التحريم وقوته، وكذلك تحريم البنات والأخوات ومن ذكر من المحرّمات. والأمهات جمع أُمّهَة يُقال: أُمّ وأمّهة بمعنى واحد، وجاء القرآن بهما. وقد تقدّم في الفاتحة بيانه. وقيل: إن أصل أم أمّهة على وزن فُعَّلَة مثل قُبَّرَة وحُمَّرة لطيْرَيْن، فسقطت وعادت في الجمع. قال الشاعر:
أمّهتِـي خِنْـدِفُ والـدَّوْسُ أبــي   
وقيل: أصل الأْمّ أُمَّةٌ، وأنشدوا:
تَقَبّلتَها عن أُمّةٍ لك طالما   تَثُوبُ إليها في النوائب أجمعا
ويكون جمعها أُمّات. قال الراعي:
كانت نَجائِبُ مُنْذِرٍ وَمُحَرِّقٍ   أُمّاتِهِنّ وَطَرْقُهُنّ فَحِيلاَ
فالأم ٱسم لكل أنثىٰ لها عليك ولادة فيدخل في ذلك الأمّ دِنْيَةً، وأُمهاتها وجدّاتها وأُمُّ الأب وجدّاته وإن عَلَوْنَ. والبنت ٱسم لكل أنثى لك عليها ولادة، وإن شئت قلت: كل أنثى يرجع نسبها إليك بالولادة بدرجة أو درجات فيدخل في ذلك بنت الصلب وبناتها وبنات الأبناء وإن نَزَلْن. والأخت ٱسم لكل أُنثى جاورتك في أصليْك أو في أحدهما. والبنات جمع بنت، والأصل بَنَيَةٌ، والمستعمل ٱبْنَة وبِنْت. قال الفرّاء: كُسِرت الباء من بنت لتدل الكسرة على الياء، وضُمّت الألف من أُخت لتدل على حذف الواو، فإن أصل أُخت أَخَوَة، والجمع أخَوَات. والعمّة ٱسم لكل أُنثى شاركت أباك أو جدّك في أصليه أو في أحدهما. وإن شئت قلت: كل ذكر رجع نسبه إليك فأخته عمتك.

PreviousNext
1 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد