الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً }

الثالثة: قوله تعالى: { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } شرّف الله تعالى أزواج نبيه صلى الله عليه وسلم بأن جعلهن أمهات المؤمنين أي في وجوب التعظيم والمبرّة والإجلال وحرمة النكاح على الرجال، وحجبهن رضي الله تعالى عنهن بخلاف الأمهات. وقيل: لما كانت شفقتهن عليهم كشفقة الأمهات أنزلن منزلة الأمهات، ثم هذه الأمومة لا توجب ميراثاً كأمومة التَّبنِّي. وجاز تزويج بناتهن، ولا يجعلن أخوات للناس. وسيأتي عدد أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم في آية التخيير إن شاء الله تعالى. واختلف الناس هل هنّ أمهات الرجال والنساء أم أمهات الرجال خاصة على قولين: فروى الشعبيّ عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة قالت لها: يا أمّة فقالت لها: لست لك بأمّ، إنما أنا أمّ رجالكم. قال ابن العربي: وهو الصحيح. قلت: لا فائدة في اختصاص الحصر في الإباحة للرجال دون النساء، والذي يظهر لي أنهن أمهات الرجال والنساء تعظيماً لحقهن على الرجال والنساء. يدلّ عليه صدر الآية: { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } ، وهذا يشمل الرجال والنساء ضرورةً. ويدلّ على ذلك حديث أبي هريرة وجابر فيكون قوله: { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } عائداً إلى الجميع. ثم إن في مصحف أُبيّ بن كعب «وأزواجه أمهاتهم وهو أبٌ لهم». وقرأ ابن عباس: «من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم». وهذا كلّه يوهن ما رواه مسروق إن صح من جهة الترجيح، وإن لم يصح فيسقط الاستدلال به في التخصيص، وبقينا على الأصل الذي هو العموم الذي يسبق إلى الفهوم. والله أعلم. الرابعة: قوله تعالى: { وَأُوْلُو ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ } قيل: إنه أراد بالمؤمنين الأنصار، وبالمهاجرين قريشاً. وفيه قولان: أحدهما: أنه ناسخ للتوارث بالهجرة. حكى سعيد عن قتادة قال: كان نزل في سورة الأنفالوَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ } [الأنفال: 72] فتوارث المسلمون بالهجرة فكان لا يرث الأعرابيّ المسلم من قريبه المسلم المهاجِر شيئاً حتى يهاجر، ثم نسخ ذلك في هذه السورة بقوله: { وَأُوْلُو ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ }. الثاني: أن ذلك ناسخ للتوارث بالحِلف والمؤاخاة في الدِّين روى هشام بن عُروة عن أبيه عن الزبير: { وَأُوْلُو ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } وذلك أنا معشر قريش لما قدمنا المدينة قدمنا ولا أموال لنا، فوجدنا الأنصار نِعم الإخوان فآخيناهم فأورثونا وأورثناهم فآخى أبو بكر خارجة بن زيد، وآخيت أنا كعب بن مالك، فجئت فوجدت السلاح قد أثقله فوالله لقد مات عن الدنيا ما ورِثه غيري، حتى أنزل الله تعالى هذه الآية فرجعنا إلى موارثنا. وثبت عن عُروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين الزّبير وبين كعب بن مالك، فارْتُثّ كعب يوم أُحُدٍ فجاء الزبير يقوده بزمام راحلته فلو مات يومئذٍ كعب عن الضِّح والريح لورثه الزبير، فأنزل الله تعالى: { وَأُوْلُو ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ }.

PreviousNext
1 3 4