الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } * { فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَٱسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ }

فقالوا لها عند قولها: { وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } وما يدريك؟ لعلكِ تعرفين أهله؟ فقالت: لا ولكنهم يحرصون على مَسرّة الملك، ويرغبون في ظِئْره. وقال السّدي وابن جُرَيج: قيل لها لما قالت: { وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } قد عرفتِ أهل هذا الصبي فدلّينا عليهم فقالت: أردت وهم للملك ناصحون. فدلتهم على أم موسى، فانطلقت إليها بأمرهم فجاءت بها، والصبيّ على يد فرعون يعلّله شفقة عليه، وهو يبكي يطلب الرضاع، فدفعه إليها فلما وجد الصبيّ ريح أمه قبل ثديها. وقال ابن زيد: استرابوها حين قالت ذلك فقالت: وهم للملك ناصحون. وقيل: إنها لما قالت: { هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْل بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ } وكانوا يبالغون في طلب مرضعة يقبل ثديها فقالوا: من هي؟ فقالت أمي فقيل: لها لبن؟ قالت: نعم! لبن هارون ـ وكان ولد في سنة لا يقتل فيها الصبيان ـ فقالوا صدقت والله. { وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } أي فيهم شفقة ونصح فروي أنه قيل لأم موسى حين ارتضع منها: كيف ارتضع منك ولم يرتضع من غيرك؟ فقالت: إني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن، لا أكاد أوتى بصبيّ إلا ارتضع مني. قال أبو عِمران الجوني: وكان فرعون يعطي أمّ موسى كل يوم ديناراً. قال الزمخشري: فإن قلت كيف حلّ لها أن تأخذ الأجر على إرضاع ولدها؟ قلت: ما كانت تأخذه على أنه أجر على الرضاع، ولكنه مال حربيّ تأخذه على وجه الاستباحة. قوله تعالى: { فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ } أي رددناه وقد عطَف الله قلب العدوّ عليه، ووفينا لها بالوعد. { كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا } أي بولدها. { وَلاَ تَحْزَنَ } أي بفراق ولدها. { وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } أي لتعلم وقوعه فإنها كانت عالمة بأن رده إليها سيكون. { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } يعني أكثر آل فرعون لا يعلمون أي كانوا في غفلة عن التقدير وسِر القضاء وقيل: أي أكثر الناس لا يعلمون أن وعد الله في كل ما وعد حق. قوله تعالى: { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَٱسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً } قد مضى الكلام في الأشد في «الأنعام». وقول ربيعة ومالك أنه الحُلُم أولى ما قيل فيه لقوله تعالى:حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ } [النساء: 6] فإن ذلك أوّل الأشد، وأقصاه أربع وثلاثون سنة وهو قول سفيان الثوري. و { اسْتَوَى } قال ابن عباس: بلغ أربعين سنة. والحكم: الحكمة قبل النبوّة. وقيل: الفقه في الدين. وقد مضى بيانها في «البقرة» وغيرها. والعلم الفهم في قول السدي. وقيل: النبوّة. وقال مجاهد: الفقه. محمد ابن إسحاق: أي العلم بما في دينه ودين آبائه وكان له تسعة من بني إسرائيل يسمعون منه، ويقتدون به، ويجتمعون إليه، وكان هذا قبل النبّوة. { وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } أي كما جزينا أم موسى لما استسلمت لأمر الله، وألقت ولدها في البحر، وصدّقت بوعد الله فرددنا ولدها إليها بالتحف والطرف وهي آمنة، ثم وهبنا له العقل والحكمة والنبوّة وكذلك نجزي كل محسن.

PreviousNext
1 2