الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ }

ورقي حديثُهما إلى الملك، فقال لهما: " ألنا إله سوى إلهنا؟ " قالا: " نعم، من أوْجَدَك وآلهتَك " فقال: " قُومَا حتى أنظرَ في أمركما " فَتَبِعَهُما الناس وضربوهما وقيل: حُبِسا.

ثم بَعَثَ إليهم عيسى (عليه السلام) رسولاً آخر لقوله:

{ فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ }:

أي: فقوَّيناهما وشددنا ظهورَهما برسول ثالث، يقال: " المطر يُعَزِّزُ الأرض " إذا لبّدها وشدَّها، و " تعزَّز لحم الناقة " وقريء بالتخيف، مأخوذاً من " العزة " و " المنعة " من " عزه، يعزه " إذا غلبه وقهره، أي فغلبنا وقهرنا بثالث، وهو شمعون.

وتَرْكُ ذِكر المفعول به، وإضمارُه، للإشْعار، بأن الغرض ذكر المعزز، وما لطف فيه من حسن التدبير، حتى قهر الباطل وأذلَّ المنكِر، وإذا انصبَّ الكلام في محطّ الغرض من سياقه، فلا ضيرَ في طرح ما سواه ورفضِه، كقولك: " حَكَمَ الأمير اليوم بالحق " ، منن غير ذكر المحكوم له أو عليه.

وحُكِيَ، أنه لما أُرسِلَ شمعونُ إلى أهل القرية، دَخَل متنكّراً، وعاشر حاشية الملك، حتى استأنسوا به، ورفعوا خبره إلى الملك فأنِسَ به، فقال له ذاتَ يوم: " بلغني أنك حبستَ رجلين، فهل سمعت ما يقولانه؟ "

قال: " لا، حالَ الغضب بيني وبين ذلك ".

فدعاهما، فقال شمعون: " من أرسلكما؟ ".

قالا: الله الذي خَلَقَ كل شيء وليس له شريك ".

فقال: " صِفَاهُ وأوجِزا ".

قالا: يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد ".

قال: " وما آيتكما؟ ".

قالا: " ما يتمنى الملك ".

فدعا بغلام مطموس العينين، فدعيا الله حتى انشق له بصره، وأخذا بندقتين، فوضعاهما في حدقتيه، فكانتا مُقْلَتَيْن ينظُرُ بِهما، فقال له شمعون: " أرأيتَ لو سألت إلهك حتى يصنع مثل هذا، فيكون لك وله الشرف؟ ".

قال: " ليس لي عنك سِر، ان إلهنا لا يُبصر ولا يسمع، ولا يُضرُّ ولا ينفع ".

وكان شمعون يدخل معهم على الصنم فيصلّي ويتضرَّع، ويحسبون أنه منهم، ثم قال: " إن قَدِر الهكما على إحياء ميّت آمنّا به " فدعَوا بغلام مات من سبعة أيام، فقام وقال: " إني أُدخِلْتُ في سبعة أودية من النار، وأنا أحذِّرُكم ما أنتم فيه فآمنوا، وقال: فُتِحَت أبوابُ السماء، فرأيتُ شاباً حسنَ الوجه، يشفع لهؤلاء الثلاثة ".

قال الملك: " مَنْ هُم؟ ".

قال: " شمعون وهذان ".

فتعجّب الملك، فلما رأى شمعون أن قوله قد أثَّر فيه، نصحَهُ فآمن، وآمنَ قومُه، ومَن لَمْ يؤمنْ، صاح عليهم جبرئيل صَيْحة فهلكوا.

{ فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ } [14]:

قال شعبة: " كان اسم الرسولَين الأوَّلَيْن، شمعون ويوحنّا، واسم الثالث بولس ". وقال ابن عباس وكعب: " الأوَّلان صادِق وصَدُوق، والثالث سلوم ". قالوا لهم: يا أهل القرية قد أرْسَلَنا الله إليكم.


PreviousNext
1