الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ }

[يس: 40] فشبه ذلك السير وتلك الحركة بالسباحة في الماء، والمقصود: التنبيه على سرعتها وسهولتها وكمال إيصالها. ثم قال تعالى: { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرٰتٍ بِأَمْرِهِ } وفيه مسائل: المسألة الأولى: قرأ ابن عامر { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرٰتٍ } بالرفع على معنى الابتداء والباقون بالنصب على معنى وجعل الشمس والقمر، قال الواحدي والنصب هو الوجه لقوله تعالى:وَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ ٱلَّذِى خَلَقَهُنَّ } [فصلت: 37] فكما صرح في هذه الآية أنه سخر الشمس والقمر كذلك يجب أن يحمل على أنه خلقها في قوله: { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ } وهذا النصف على الحال أي خلق هذه الأشياء حال كونها موصوفة بهذه الصفات والآثار والأفعال وحجة ابن عامر قوله تعالى:وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [الجاثية: 13] ومن جملة ما في السماء الشمس والقمر فلما أخبر أنه تعالى سخرها حسن الأخبار عنها بأنها مسخرة كما أنك إذا قلت ضربت زيداً استقام أن تقول زيد مضروب. المسألة الثانية: في هذه الآية لطائف: فالأولى: أن الشمس لها نوعان من الحركة: أحد النوعين: حركتها بحسب ذاتها وهي إنما تتم في سنة كاملة وبسبب هذه الحركة تحصل السنة. والنوع الثاني: حركتها بسبب حركة الفلك الأعظم وهذه الحركة تتم في اليوم بليلة. إذا عرفت هذا فنقول: الليل والنهار لا يحصل بسبب حركة الشمس وإنما يحصل بسبب حركة السماء الأقصى التي يقال لها العرش فهذا السبب لما ذكر العرش بقوله: { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } ربط به قوله: { يغشي الليل النهار } تنبيهاً على أن سبب حصول الليل والنهار هو حركة الفلك الأقصى لا حركة الشمس والقمر وهذه دقيقة عجيبة. والثانية: أنه تعالى لما شرح كيفية تخليق السموات. قال:فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَـٰوَاتٍ فِى يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِى كُلّ سَمَاء أَمْرَهَا } [فصلت: 12] فدلت تلك الآية على أنه سبحانه خص كل ذلك بلطيفة نورانية ربانية من عالم الأمر. ثم قال بعده: { أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } وهو إشارة إلى أن كل ما سوى الله تعالى إما من عالم الخالق أو من عالم الأمر، أما الذي هو من عالم الخلق، فالخلق عبارة عن التقدير، وكل ما كان جسماً أو جسمانياً كان مخصوصاً بمقدار معين، فكان من عالم الخلق، وكل ما كان بريئاً عن الحجمية والمقدار كان من عالم الأرواح ومن عالم الأمر، فدل على أنه سبحانه خص كل واحد من أجرام الأفلاك والكواكب التي هي من عالم الخلق بملك من الملائكة، وهم من عالم الأمر والأحاديث الصحيحة مطابقة لذلك، وهي ما روي في الأخبار أن لله ملائكة يحركون الشمس والقمر عند الطلوع وعند الغروب، وكذا القول في سائر الكواكب، وأيضاً قوله سبحانه:

PreviousNext
   2021 22 23 24 25 26 27 28 29 30  مزيد