الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ }

المسألة الثانية: قرىء { فَوٰحِدَةً } بنصب التاء والمعنى: فالتزموا أو فاختاروا واحدة وذروا الجمع رأسا، فان الأمر كله يدور مع العدل، فأينما وجدتم العدل فعليكم به، وقرىء { فَوٰحِدَةً } بالرفع والتقدير: فكفت واحدة، أو فحسبكم واحدة أو ما ملكت أيمانكم. المسألة الثالثة: للشافعي رحمه الله أن يحتج بهذه الآية في بيان الاشتغال بنوافل العبادات أفضل من النكاح، وذلك لأن الله تعالى خير في هذه الآية بين التزوج بالواحدة وبين التسري، والتخيير بين الشيئين مشعر بالمساواة بينهما في الحكمة المطلوبة، كما اذا قال الطبيب: كل التفاح أو الرمان، فان ذلك يشعر بكون كل واحد منهما قائما مقام الآخر في تمام الغرض، وكما أن الآية دلت على هذه التسوية، فكذلك العقل يدل عليها، لأن المقصود هو السكن والازدواج وتحصين الدين ومصالح البيت، وكل ذلك حاصل بالطريقين، وأيضاً إن فرضنا الكلام فيما اذا كانت المرأة مملوكة ثم أعتقها وتزوج بها، فههنا يظهر جدا حصول الاستواء بين التزوج وبين التسري، واذا ثبت بهذه الآية ان التزوج والتسري متساويان. فنقول: أجمعنا على أن الاشتغال بالنوافل أفضل من التسري فوجب أن يكون أفضل من النكاح لان الزائد على أحد المتساويين يكون زائد على المساوي الثاني لا محالة. ثم قال تعالى: { ذَلِكَ أَدْنَىٰ أَن لا تَعُولُواْ } وفيه مسألتان. المسألة الأولى: المراد من الادنى ههنا الاقرب، والتقدير: ذلك أقرب من أن لا تعولوا وحسن حذف «من» لدلالة الكلام عليه. المسألة الثانية: في تفسير { أَن لا تَعُولُواْ } وجوه: الأول: معناه: لا تجوروا ولا تميلوا، وهذا هو المختار عند أكثر المفسرين، وروي ذلك مرفوعا، روت عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ } قال: لا تجوروا وفي رواية أخرى «أن لا تميلوا» قال الواحدي رحمه الله: كلا اللفظين مروي، وأصل العول الميل يقال: عال الميزان عولا، اذا مال، وعال الحاكم في حكمه اذا جار، لانه اذا جار فقد مال. وأنشدوا لأبي طالب.بميزان قسط لا يغل شعيرة فصل ووزان صدق وزنه غير عائل وروي أن أعرابيا حكم عليه حاكم، فقال له: أتعول علي، ويقال: عالت الفريضة اذا زادت سهامها، وقد أعلتها أنا اذا ازدت في سهامها، ومعلوم أنها اذا زادت سهامها فقد مالت عن الاعتدال فدلت هذه الاشتقاقات على أن أصل هذا اللفظ الميل، ثم اختص بحسب العرف بالميل الى الجور والظلم. فهذا هو الكلام في تقرير هذا الوجه الذي ذهب اليه الأكثرون.

PreviousNext
1 2 3 4 5 7 8