الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ وَلَكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }

وجوابه: أنه ظهر بحيث يفيد الامتياز الظني، لا الامتياز القطعي. ثم قال تعالى: { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ } معناه أنه سبحانه حكم بأن يظهر هذا التمييز، ثم بين بهذه الآية أنه لا يجوز أن يحصل ذلك التمييز بأن يطلعكم الله على غيبه فيقول: إن فلانا منافق وفلانا مؤمن، وفلانا من أهل الجنة وفلانا من أهل النار، فان سنة الله جارية بأنه لا يطلع عوام الناس على غيبه، بل لا سبيل لكم الى معرفة ذلك الامتياز إلا بالامتحانات مثل ما ذكرنا من وقوع المحن والآفات، حتى يتميز عندها الموافق من المنافق، فأما معرفة ذلك على سبيل الاطلاع من الغيب فهو من خواص الأنبياء، فلهذا قال: { وَلَكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِى مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء } أي ولكن الله يصطفي من رسله من يشاء فخصهم باعلامهم أن هذا مؤمن وهذا منافق. ويحتمل ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فيمتحن خلقه بالشرائع على أيديهم حتى يتميز الفريقان بالامتحان، ويحتمل أيضا أن يكون المعنى: وما كان الله ليجعلكم كلكم عالمين بالغيب من حيث يعلم الرسول حتى تصيروا مستغنين عن الرسول، بل الله يخص من يشاء من عباده بالرسالة، ثم يكلف الباقين طاعة هؤلاء الرسل. ثم قال: { فآمنوا بالله ورسله } والمقصود أن المنافقين طعنوا في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بوقوع الحوادث المكروهة في قصة أحد، فبين الله تعالى انه كان فيها مصالح. منها تمييز الخبيث من الطيب، فلما أجاب عن هذه الشبهة التي ذكرتموها قال: { فآمنوا بالله ورسله } يعني لما دلت الدلائل على نبوته وهذه الشبهة التي ذكرتموها في الطعن في نبوته فقد أجبنا عنها، فلم يبق إلا أن تؤمنوا بالله ورسله، وإنما قال: { وَرُسُلِهِ } ولم يقل: ورسوله لدقيقة، وهي أن الطريق الذي به يتوصل الى الاقرار بنبوة أحد من الأنبياء عليهم السلام ليس إلا المعجز وهو حاصل في حق محمد صلى الله عليه وسلم، فوجب الاقرار بنبوة كل واحد من الأنبياء، فلهذه الدقيقة قال: { وَرُسُلِهِ } والمقصود التنبيه على أن طريق إثبات نبوة جميع الأنبياء واحد، فمن أقر بنبوة واحد منهم لزمه الاقرار بنبوة الكل، ولما أمرهم بذلك قرن به الوعد بالثواب فقال: { وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } ، وهو ظاهر.

PreviousNext
1