الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوۤاْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِّنَ ٱلْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } * { وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ }

{ فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين } اختلف في معناه على وجوه أحدها: أن معناه فهلا خرج إلى الغزو من كل قبيلة جماعة ويبقى مع النبي صلى الله عليه وسلم جماعة ليتفقهوا في الدين يعني الفرقة القاعدين يتعلمون القرآن والسنن والفرائض والأحكام فإذا رجعت السرايا وقد نزل بعدهم قرآن وتعلمه القاعدون قالوا لهم إذا رجعوا إليهم أن الله قد أنزل بعدكم على نبيكم قرآناً وقد تعلمناه فتتعلمه السرايا فذلك قولـه { ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم } أي وليعلموهم القرآن ويخوّفوهم به إذا رجعوا إليهم { لعلهم يحذرون } فلا يعملون بخلافه عن ابن عباس في رواية الوالبي وقتادة والضحاك وقال الباقر ع كان هذا حين كثر الناس فأمرهم الله أن تنفر منهم طائفة وتقيم طائفة للتفقه وأن يكون الغزو نوباً. وثانيها: أن التفقه والإنذار يرجعان إلى الفرقة النافرة وحثَّها الله تعالى على التفقه لترجع إلى المتخلفة فتحذرها ومعنى { ليتفقهوا في الدين } ليتبصروا ويتيقنوا بما يريهم الله من الظهور على المشركين ونصرة الدين ولينذروا قومهم من الكفار إذا رجعوا إليهم من الجهاد فيخبروهم بنصر الله النبي والمؤمنين ويخبروهم أنهم لا يدان لهم بقتال النبي والمؤمنين لعلهم يحذرون أن يقاتلوا النبي صلى الله عليه وسلم فينزل بهم ما نزل بأصحابهم من الكفار عن الحسن وأبي مسلم قال أبو مسلم اجتمع للنافرة ثواب الجهاد والتفقه في الدين وإنذار قومهم. وثالثها: أن التفقه راجع إلى النافرة والتقدير ما كان لجميع المؤمنين أن ينفروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويخلوا ديارهم ولكن لينفر إليه من كل ناحية طائفة لتسمع كلامه وتتعلم الدين منه ثم ترجع إلى قومها فتبين لهم ذلك وتنذرهم عن الجبائي قال والمراد بالنفر هنا الخروج لطلب العلم وإنما سمي ذلك نفراً لما فيه من مجاهدة أعداء الدين قال القاضي أبو عاصم وفي هذا دليل على اختصاص الغربة بالتفقه وأن الإنسان يتفقه في الغربة ما لا يمكنه ذلك في الوطن. ثم بيَّن سبحانه ما يجب تقديمه فقال { يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار } أي قاتلوا من قرب منكم من الكفار الأقرب منهم فالأقرب في النسب والدار وقال الحسن كان هذا قبل الأمر بقتال المشركين كافة وقال غيره هذا الحكم قائم الآن لأنه لا ينبغي لأهل كل بلد ان يخرجوا إلى قتال الأبعد ويدعوا الأقرب والأدنى لأن ذلك يؤدّي إلى الضرر وربما يمنعهم ذلك عن المضي في وجهتهم إلا أن يكون بينهم وبين الأقرب موادعة فلا بأس حينئذٍ بمجاوزة الأقرب إلى الأبعد على ما يراه المتولي لأمور المسلمين ولو قال سبحانه قاتلوا الأبعد فالأبعد لكان لا يصح لأنه لا حد للأبعد يبتدئ منه كما للأقرب وفي هذا دلالة على أنه يجب على أهل كل ثغر الدفاع عن أنفسهم إذا خافوا على بيضة الإسلام وإن لم يكن هناك إمام عاد.

PreviousNext
1 3