الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } * { وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ } * { وَإِلَىٰ ٱلْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ } * { وَإِلَى ٱلأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ }

وقال الماورديُّ: وفي الإبل وجهان:

أظهرهما: أنها " الإبل ".

والثاني: أنها " السحاب " فإن كان المراد بها السحاب، فلما فيها من الآيات الدالة على قدرته، والمنافع العامة لجميع خلقه.

وإن كان المراد بها الإبل من النعم؛ فلأن الإبل أجمع للمنافع من سائر الحيوان؛ لأن ضروبه أربعة: حلوبة، وركوبة، وأكولة، وحمولة، والإبل تجمع هذه الخلال الأربع، فكانت النعمة بها أعم، وظهور القدرة بها أتم.

وقيل للحسن: الفيل أعظم في الأعجوبة, فقال: العرب بعيدة العهدِ بالفيل, ثم هو لا يؤكل لحمه, ولا يركب ظهره، ولا يحلب درّه.

فصل في الكلام على الإبل

الإبل: اسم جمع، واحده: بعير، وناقة، وجمل، ولا واحد لها من لفظها، وهو مؤنث، ولذلك تدخل عليه تاء التأنيث تصغيره، فيقال: أبيلة.

قال القرطبيُّ: لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميين، فالتأنيث لها لازم، وربما قالوا للإبل: إبْل - بسكون الباء - للتخفيف، والجمع: آبال واشتقوا من لفظه، فقالوا: تأبل زيد، أي كثرت إبله. وتعجبوا من هذا، فقالوا: ما آبله! أي: ما أكثر إبله! وتقدم في سورة " الأنعام ".

قوله: " كَيْفَ ": منصوب بـ " خُلِقتْ " على حد نصبها في قوله تعالى: { كَيْفَ تَكْفُرُونَ } ، والجملة بدل من " الإبل " بدل اشتمال، فتكون في محل جر، وهي في الحقيقة معلقة بالنظر، وقد دخلت " إلى " على " كيف " في قولهم: " انظر إلى كيف يصنع " ، وقد تبدل الجملة المشتملة على استفهام من اسم ليس فيه استفهام، كقولهم: " عرفت زيداً أبو من هو " على خلاف بين النحويين.

وقرأ العامة: " خُلِقَتْ، ورُفِعَتْ، ونُصِبَتْ، وسُطِحَتْ " مبنياً للمفعول، والتاء ساكنة للتأنيث.

وقرأ أمير المؤمنين، وابن أبي عبلة، وأبو حيوة، قال القرطبي: وابن السميفع وأبو العالية: " خلقتُ " وما بعده بتاء المتكلم، مبنياً للفاعل.

والعامة على: " سُطِحَتْ " مخففاً.

وقرأ الحسنُ وأبو حيوة وأبو رجاء: " سُطِّحَتْ " بتشديد الطاء وإسكان التاء.

قال القرطبيُّ: وقدم الإبل في الذكر، ولو قدم غيرها لجاز.

قال القشيريُّ: وليس هذا مما يطلب فيه نوع حكمة.

قوله: { وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ } ، أي: رفعت عن الأرض بغير عمدٍ بعيدة المدى.

وقيل: رفعت فلا ينالها شيء.

قوله: { وَإِلَىٰ ٱلْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ } نصباً ثابتاً راسخاً لا يميل ولا يزول، وذلك أن الأرض لما دحيت مادت، فأرساها بالجبال، كما قال تعالى:وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ } [الأنبياء: 31].

قوله: { وَإِلَى ٱلأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } ممهدة، أي: بسطتْ ومدتْ، واستدل بعضهم بهذا على أن الأرض ليست بكرةٍ.

قال ابنُ الخطيب: وهو ضعيف؛ لأن الكرة إذا كانت في غاية العطمة تكون كل قطعة منها كالسطح.

فإن قيل: ما المناسبة بين هذه الأشياء؟.

PreviousNext
1 3