الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } * { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } * { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ ٱللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً } * { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَٱللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً } * { ذَلِكَ أَمْرُ ٱللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً } * { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ }

وقيل: إن ارتبتم في دم البالغات مبلغ اليأس، وقد قدروه بستين سنة وبخمس وخمسين أهو دم حيض أو استحاضة فعدتهن ثلاثة أشهر، وإذا كانت عدة المرتاب بها فغير المرتاب بها أولى بذلك { وَٱللَّـٰئِي لَمْ يَحِضْنَ } هن الصغائر وتقديره واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر فحذفت الجملة لدلالة المذكور عليها { وَأُوْلَـٰتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ } عدتهن { أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } والنص يتناول المطلقات والمتوفي عنهم أزواجهن. وعن علي وابن عباس رضي الله عنهم: عدة الحامل المتوفي عنها زوجها أبعد الأجلين { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً } ييسر له من أمره ويحلل من عقده بسبب التقوى { ذَلِكَ أَمْرُ ٱللَّهِ } أي ما علم من حكم هؤلاء المعتدات { أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ } من اللوح المحفوظ { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ } في العمل بما أنزله من هذه الأحكام وحافظ على الحقوق الواجبة عليه { يُكَفّرْ عَنْهُ سَيّئَـٰتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً } ثم بين التقوى في قوله { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ } كأنه قيل: كيف نعمل بالتقوى في شأن المعتدات؟ فقيل { أَسْكِنُوهُنَّ } وكذا وكذا { مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم } هي «من» التبعيضية مبعضها محذوف أي أسكنوهن مكاناً من حيث سكنتم أي بعض مكان سكناكم { مّن وُجْدِكُمْ } هو عطف بيان لقوله { مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم } وتفسير له كأنه قيل: أسكنوهن مكاناً من مسكنكم مما تطيقونه والوجد: الوسع والطاقة. وقرىء بالحركات الثلاث والمشهور الضم. والنفقة والسكنى واجبتان لكل مطلقة، وعند مالك والشافعي لا نفقة للمبتوتة لحديث فاطمة بنت قيس أن زوجها أبت طلاقها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا سكنى لك ولا نفقة " وعن عمر رضي الله عنه: لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا بقول امرأة لعلها نسيت أو شبه لها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول " لها السكنى والنفقة " { وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ } ولا تستعملوا معهن الضرار { لِتُضَيّقُواْ عَلَيْهِنَّ } في المسكن ببعض الأسباب من إنزال من لا يوافقهن أو يشغل مكانهن أو غير ذلك حتى تضطروهن إلى الخروج.

{ وَإِن كُنَّ } أي المطلقات { أُوْلَـٰتِ حَمْلٍ } ذوات أحمال { فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } وفائدة اشتراط الحمل أن مدة الحمل ربما تطول فيظن ظان النفقة تسقط إذا مضى مقدار عدة الحامل فنفي ذلك الوهم { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ } يعني هؤلاء المطلقات إن أرضعن لكم ولداً من ظئرهن أو منهن بعد انقطاع عصمة الزوجية { فَئَاتُوهُنَ أُجُورَهُنَ } فحكمهن في ذلك حكم الأظآر، ولا يجوز الاستئجار إذا كان الولد منهن ما لم يبن خلافاً للشافعي رحمه الله { وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ } أي تشاوروا على التراضي في الأجرة، أو ليأمر بعضكم بعضاً، والخطاب للآباء والأمهات { بِمَعْرُوفٍ } بما يليق بالسنة ويحسن في المروءة فلا يماكس الأب ولا تعاسر الأم لأنه ولدهما وهما شريكان فيه وفي وجوب الإشفاق عليه { وَإِن تَعَاسَرْتُمْ } تضايقتم فلم ترض الأم بما ترضع به الأجنبية ولم يزد الأب على ذلك { فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ } فستوجد ولا تعوز مرضعة غير الأم ترضعه، وفيه طرف من معاتبة الأم على المعاسرة. وقوله { لَهُ } أي للأب أي سيجد الأب غير معاسرة ترضع له ولده إن عاسرته أمه.


PreviousNext
1 2