الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ }

{ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ } ، قال بعضهم: أي: أحب شيئاً واشتهاه وحدّث به نفسه مما لم يؤمر به. " ألقى الشيطان في أمنيته " أي مراده. وعن ابن عباس قال: إذا حدّث ألقى الشيطان في حديثه ووجد إليه سبيلاً، وما من نبي إلا تمنى أن يؤمن به قومه ولم يتمنَّ ذلك نبي إلا ألقىٰ الشيطان عليه ما يرضى به قومه، فينسخ الله ما يلقي الشيطان. وأكثر المفسرين قالوا: معنى قوله: تمنى أي: تلا وقرأ كتاب الله تعالى. " ألقى الشيطان في أمنيته " أي: في تلاوته، قال الشاعر في عثمان حين قتل:
تَمَنَّىٰ كتابَ اللهِ أوّلَ ليلةٍ   وآخِرَهَا لاقَىٰ حِمَامَ المَقادِرِ
واختلفوا في أنه هل كان يقرأ في الصلاة أو في غير الصلاة؟ فقال قوم: كان يقرأ في الصلاة. وقال قوم: كان يقرأ في غير الصلاة. فإن قيل كيف يجوز الغلط في التلاوة على النبي صلى الله عليه وسلم وكان معصوماً من الغلط في أصل الدين، وقال جلّ ذكره في القرآن:لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [فصلت: 42] يعني إبليس؟ قيل: قد اختلف الناس في الجواب عنه فقال بعضهم: إن رسول صلى الله عليه وسلم لم يقرأ، ولكن الشيطان ذكر ذلك بين قراءته، فظن المشركون أن الرسول قرأه. وقال قتادة: أغفىٰ النبي صلى الله عليه وسلم إغفاءةً فجرى ذلك على لسانه بإلقاء الشيطان ولم يكن له خبر. والأكثرون قالوا: جرى ذلك على لسانه بإلقاء الشيطان على سبيل السهو والنسيان ولم يلبث أن نبهه الله عليه. وقيل: إن شيطاناً يقال له الأبيض عمل هذا العمل، وكان ذلك فتنة ومحنة من الله تعالى والله تعالى يمتحن عباده بما يشاء. { فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِى ٱلشَّيْطَـٰنُ } ، أي: يُبطله ويذهبه، { ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ ءَايَـٰتِهِ } ، فيثبتها، { وَٱلله عَلِيمٌ حَكِيمٌ لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِى ٱلشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } أي: محنة وبلية، شك ونفاق، { وَٱلْقَاسِيَةِ } ، يعني الجافية، { قُلُوبُهُمْ } ، عن قبول الحق وهم المشركون، وذلك أنهم افتتنوا لما سمعوا ذلك، ثم نُسخ ورفع فازدادوا عُتواً، وظنوا أن محمداً يقوله من تلقاء نفسه ثم يندم فيبطل، { وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ } ، المشركين { لَفِى شِقَاقٍ بَعِيدٍ } أي: في خلاف شديد.

PreviousNext
1