الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا } * { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } * { أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا } * { وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا }

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس { والأرْضَ بَعْدَ ذلكَ دَحاها أخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها والجِبالَ أرْساها } يعني: أن الله خلق السموات والأرض، فلما فرغ من السموات قبل أن يخلق أقوات الأرض فيها، بعد خلق السماء، وأرسى الجبال، يعني بذلك دَحْوها الأقوات، ولم تكن تصلح أقوات الأرض ونباتها إلاَّ بالليل والنهار، فذلك قوله: { والأرْضَ بَعْدَ ذلكَ دَحاها } ألم تسمع أنه قال: { أخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرعَاها }. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن حفص، عن عكرِمة، عن ابن عباس، قال: وضع البيت على الماء على أربعة أركان قبل أن يخلق الدنيا بألفي عام، ثم دُحيت الأرض من تحت البيت. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الأعمش، عن بكير بن الأخنس، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، قال: خلق الله البيت قبل الأرض بألفي سنة، ومنه دُحِيت الأرض. وقال آخرون: بل معنى ذلك: والأرض مع ذلك دحاها، وقالوا والأرض خُلِقت ودحيت قبل السماء، وذلك أن الله قال:هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الأرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ } قالوا: فأخبر الله أنه سَوَّى السموات بعد أن خلق ما في الأرض جميعاً، قالوا فإذا كان ذلك كذلك، فلا وجه لقوله: { والأرْضَ بَعْدَ ذلكَ دَحاها } إلاَّ ما ذكرنا، من أنه مع ذلك دحاها، قالوا: وذلك كقول الله عزّ وجلّ:عُتُلِّ بَعْدَ ذَلكَ زنِيمٌ } بمعنى: مع ذلك زنيم، وكما يقال للرجل: أنت أحمق، وأنت بعد هذا لئيم الحسب، بمعنى: مع هذا، وكما قال جلّ ثناؤه:وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ } أي من قبل الذكر، واستشهد بقول الهُذَليّ:
حَمِدْتُ إلَهِي بَعْدَ عُرْوَةَ إذْ نَجَا   خِراشٌ وبَعْضُ الشَّرّ أهْوَنُ مِنْ بَعْضِ
وزعموا أن خراشاً نجا قبل عُرْوة. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن خَصِيف، عن مجاهد { والأرْضَ بَعْدَ ذلكَ دَحاها } قال: مع ذلك دحاها. حدثني ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن مجاهد، أنه قال: «والأرْضَ عِنْدَ ذلكَ دَحاها«. حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا عليّ بن معبد، قال: ثنا محمد بن سلمة، عن خصيف، عن مجاهد { والأرْضَ بَعْدَ ذلكَ دَحاها } قال: مع ذلك دحاها. حدثني محمد بن خلف العَسْقلانيّ، قال: ثنا روّاد بن الجرّاح، عن أبي حمزة، عن السديّ، في قوله: { والأرْضَ بَعْدَ ذلكَ دَحاها } قال: مع ذلك دحاها. والقول الذي ذكرناه عن ابن عباس من أن الله تعالى خلق الأرض، وقدّر فيها أقواتها، ولم يَدْحُها، ثم استوى إلى السماء فسوّاهنّ سبع سموات، ثم دحا الأرض بعد ذلك، فأخرج منها ماءها ومرعاها، وأرسى جبالها، أشبه بما دلّ عليه ظاهر التنزيل، لأنه جلّ ثناؤه قال: { والأرْضَ بَعْدَ ذلكَ دَحاها } ، والمعروف من معنى «بَعْد» أنه خلاف معنى «قَبْل»، وليس في دحو الله الأرض بعد تسويته السموات السبع، وإغطاشه ليلها، وإخراجه ضحاها، ما يوجب أن تكون الأرض خُلقت بعد خلق السموات لأن الدحو إنما هو البسط في كلام العرب، والمدّ يقال منه: دحا يدحو دَحْواً، ودَحَيْتُ أَدْحِي دَحْياً لغتان ومنه قول أُمَّية بن أبي الصلت:

PreviousNext
1 3