حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهريّ، قال: فتر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فترة، فحزن حزناً، فجعل يعدو إلى شواهق رؤوس الجبال ليتردّي منها، فكلما أوفي بذروة جبل تبدّى له جبريل عليه السلام فيقول: إنك نبيّ الله، فيسكن جأشه، وتسكن نفسه فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يحدّث عن ذلك، قال: " بَيْنَما أنا أمْشِي يَوْماً إذْ رأيْتُ المَلَكَ الَّذِي كان يأتِيني بِحرَاءَ على كُرْسِيّ بَينَ السَّماءِ والأرْضِ، فَجُثِثْتُ مِنْهُ رُعْباً، فَرَجَعْتُ إلى خَدِيجَةَ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي، فزمِّلناه " أي فدثرناه، فأنزل الله { يا أيُّها المُدَّثِّرُ، قُمْ فأنْذِرْ، وَرَبِّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ } قال الزهري: فكان أوّل شيء أنزل عليه:{ اقْرأ باسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } .. حتى بلغ{ ما لَمْ يَعْلَمْ } واختلف أهل التأويل في معنى قوله: { يا أيُّها المُدَّثِّرُ } ، فقال بعضهم: معنى ذلك: يا أيها النائم في ثيابه. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: { يا أيُّها المُدَّثِّرُ } قال: يا أيها النائم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { يا أيُّها المُدَّثِّرُ } يقول: المتدثر في ثيابه. وقال آخرون: بل معنى ذلك: يا أيها المتدثر النبوّة وأثقالها. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: وسُئل داود عن هذه الآية: { يا أيُّها المُدَّثِّرُ } فحدثنا عن عكرمة أنه قال: دثِّرت هذا الأمر فقم به. وقوله: { قُمْ فأنْذِر } يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قم من نومك فأنذر عذاب الله قومك الذين أشركوا بالله، وعبدوا غيره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { قُمْ فأنْذِرْ }: أي أنذر عذاب الله ووقائعه في الأمم، وشدّة نقمته. وقوله: { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } يقول تعالى ذكره: وربك يا محمد فعظم بعبادته، والرغبة إليه في حاجاتك دون غيره من الآلهة والأنداد. وقوله: { وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ } اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: لا تلبس ثيابك على معصية، ولا على غدرة. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس { وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ } قال: أما سمعت قول غَيلان بن سَلَمة:
وإنّى بِحَمْدِ اللَّهِ لا ثَوْبَ فاجِرٍ
لَبِسْتُ وَلا مِنْ غَدْرَةٍ أتَقَنَّعُ
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا مُصْعَب بن سلام، عن الأجلح، عن عكرِمة، عن ابن عباس، قال: أتاه رجل وأنا جالس فقال: أرأيت قول الله: { وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ } قال: لا تلبسها على معصية ولا على غدرة، ثم قال: أما سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفيّ: