الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ قَرِينُهُ هَـٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ } * { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } * { مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلشَّدِيدِ } * { قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ وَلَـٰكِن كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } * { قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ } * { مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } * { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } * { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ } * { هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ } * { مَّنْ خَشِيَ ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ } * { ٱدْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلُخُلُودِ } * { لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ }

يقول تعالى ذكره: وقال قرين هذا الإنسان الذي جاء به يوم القيامة معه سائق وشهيد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَقالَ قَرِينُهُ هَذَا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ } الملك. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { وقَالَ قَرِينُهُ هَذَا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ... } إلى آخر الآية، قال: هذا سائقه الذي وُكِّل به، وقرأ { وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهيدٌ }. وقوله: { هَذَا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ } يقول تعالى ذكره مخبراً عن قِيل قَرينِ هذا الإنسان عند موافاته ربه به، ربّ هذا ما لديّ عتيد: يقول: هذا الذي هو عندي معدّ محفوظ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { هَذَا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ } قال: والعتيد: الذي قد أخذه، وجاء به السائق والحافظ معه جميعاً. وقوله: { أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } فيه متروك استغنى بدلالة الظاهر عليه منه، وهو: يقال ألقيا في جهنم، أو قال تعالى: ألقيا، فأخرج الأمر للقرين، وهو بلفظ واحد مخرج خطاب الاثنين. وفي ذلك وجهان من التأويل: أحدهما: أن يكون القرين بمعنى الاثنين، كالرسول، والاسم الذي يكون بلفظ الواحد في الواحد، والتثنية والجمع، فردّ قوله: { أَلْقِيا في جَهَنَّمَ } إلى المعنى. والثاني: أن يكون كما كان بعض أهل العربية يقول، وهو أن العرب تأمر الواحد والجماعة بما تأمر به الاثنين، فتقول للرجل ويلك أرحلاها وازجراها، وذكر أنه سَمِعها من العرب قال: وأنشدني بعضهم:
فَقُلْتُ لصَاحِبي لا تَحْبسانا   بنزْعِ أُصُولهِ واجْتَزَّ شيحا
وقال: وأنشدني أبو ثروان:
فإنْ تَزْجُرانِي يا بْنَ عَفَّانَ أنْزَجِرْ   وَإنْ تَدَعانِي أحْمِ عِرْضاً مُمَنَّعا
قال: فيروي أن ذلك منهم أن الرجل أدنى أعوانه في إبله وغنمه اثنان، وكذلك الرفقة أدنى ما تكون ثلاثة، فجرى كلام الواحد على صاحبيه، وقال: ألا ترى الشعراء أكثر شيئاً قيلاً يا صاحبيّ يا خليليّ، وقال امرؤ القَيس:
خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي على أُمّ جُنْدَبِ   نُقَضِّ لُباناتِ الفُؤَادِ المُعَذَّبِ
ثم قال:
ألَمْ تَرَ أنّي كُلَّما جِئْتُ طارِفاً   وَجَدْتُ بِها طِيْباً وَإنْ لَّمْ تَطَيَّبِ
فرجع إلى الواحد، وأوّل الكلام اثنان قال: وأنشدني بعضهم:
خَلِيلَيَّ قُوما في عَطالَةَ فانْظُرَا:   أنارٌ تُرَى مِنْ ذِي أبانَيْنِ أَمْ بَرْقا
وبعضهم يروي: أناراً نرى. { كُلّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } يعني: كل جاحد وحدانية الله عنيد، وهو العاند عن الحقّ وسبيل الهدى. وقوله: { مَنَّاعٍ للْخَيْرِ } كان قتادة يقول في الخير في هذا الموضع: هو الزكاة المفروضة.

السابقالتالي
2