اختلف أهل التأويـل فـي معنى قول الله: { لا تُـحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ } فقال بعضهم: معناه: لا تـحلوا حُرُمات الله، ولا تتعدّوا حدوده. كأنهم وجهوا الشعائر إلـى الـمعالـم، وتأوّلوا لا تـحلوا شعائر الله: معالـم حدود الله، وأمره، ونهيه، وفرائضه. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الوهاب الثقـفـي، قال: ثنا حبـيب الـمعلـم، عن عطاء أنه سئل عن شعائر الله، فقال: حرمات الله: اجتناب سخط الله، واتبـاع طاعته، فذلك شعائر الله. وقال آخرون: معنى قوله: { لا تُـحِلُّوا } حَرَمَ الله. فكأنهم وجهوا معنى قوله: { شَعائِرَ اللّهِ }: أي معالـم حَرَم الله من البلاد. ذكر من قال ذلك: حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد بن الـمفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ: { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُـحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ } قال: أما شعائر الله: فحُرَم الله. وقال آخرون: معنى ذلك: لا تـحلوا مناسك الـحجّ فتضيعوها. وكأنهم وجهوا تأويـل ذلك إلـى: لا تـحلوا معالـم حدود الله التـي حدّها لكم فـي حجكم. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج، قال ابن عبـاس: { لا تُـحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ } قال: مناسك الـحجّ. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو صالـح، قال: ثنا معاوية، عن علـيّ ابن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس، قوله: { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُـحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ } قال: كان الـمشركون يحجون البـيت الـحرام، ويهُدون الهدايا، ويعظمون حرمة الـمشاعر، ويتـجرون فـي حجهم، فأراد الـمسلـمون أن يُغيروا علـيهم، فقال الله عزّ وجلّ: { لا تُـحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ }. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول الله: { شَعائِرَ اللَّهِ }: الصفـا والـمروة، والهدي، والبدن، كل هذا من شعائر الله. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنـي أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. وقال آخرون: معنى ذلك: لا تـحلوا ما حرّم الله علـيكم فـي حال إحرامكم. ذكر من قال ذلك: حدثنا مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: { لا تُـحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ } قال: شعائر الله: ما نهى الله عنه أن تصيبه وأنت مـحرم. وكأنّ الذين قالوا هذه الـمقالة، وجهوا تأويـل ذلك إلـى: لا تـحلوا معالـم حدود الله التـي حرّمها علـيكم فـي إحرامكم. وأولـى التأويلات بقوله: { لا تُـحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ } قول عطاء الذي ذكرناه من توجيهه معنى ذلك إلـى: لا تـحلوا حُرُمات الله، ولا تضيعوا فرائضه، لأن الشعائر جمع شعيرة، والشعيرة: فعيـلة من قول القائل: قد شعر فلان بهذا الأمر: إذا علـم به، فـالشعائر: الـمعالـم من ذلك.