الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً }

" اضْرِبُوهُنَّ إذَا عَصَيْنَكُمْ فِي المَعْرُوفِ ضَرْباً غيرَ مُبَرّح " قال أبو جعفر: فكل هؤلاء الذين ذكرنا قولهم لم يوجبوا للهجر معنى غير الضرب، ولم يوجبوا هجراً إذا كان هيئة من الهيئات التي تكون بها المضروبة عند الضرب مع دلالة الخبر الذي رواه عكرمة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه أمر بضربهنّ إذا عصين أزواجهنّ في المعروف من غير أمر منه أزواجهنّ بهجرهنّ لما وصفنا من العلة. فإن ظنّ ظانّ أن الذي قلنا في تأويل الخبر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الذي رواه عكرمة، ليس كما قلنا، وصحّ أن ترك النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر الرجل بهجر زوجته إذا عصيته في المعروف وأمره بضربها قبل الهجر، لو كان دليلاً على صحة ما قلنا من أن معنى الهجر هو ما بيناه، لوجب أن يكون لا معنى لأمر الله زوجها أن يعظها إذا هي نشزت، إذ كان لا ذكر للعظة في خبر عكرمة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، فإن الأمر في ذلك بخلاف ما ظنّ وذلك أن قوله صلى الله عليه وسلم: " إذَا عَصيْنَكُمْ في المَعْروفِ " دلالة بينة أنه لم يبح للرجل ضرب زوجته إلا بعد عظتها من نشوزها، وذلك أنه لا تكون له عاصية، إلا وقد تقدم منه لها أمر أو عظة بالمعروف على ما أمر الله تعالى ذكره به. القول في تأويل قوله تعالى: { وَٱضْرِبُوهُنَّ }. يعني بذلك جلّ ثناؤه: فعظوهنّ أيها الرجال في نشوزهنّ، فإن أبين الأياب إلى ما يلزمهنّ لكم فشدّوهنّ وثاقاً في منازلهنّ، واضربوهنّ ليؤبن إلى الواجب عليهنّ من طاعة الله في اللازم لهنّ من حقوقكم. وقال أهل التأويل: صفة الضرب التي أبام الله لزوج الناشز أن يضربها الضرب غير المبرّح. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد بن جبير: { وَٱضْرِبُوهُنَّ } قال: ضرباً غير مبرّح. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيـى بن واضح، قال: أخبرنا أبو حمزة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، قال: الضرب غير المبرّح. حدثني المثنى، قال: ثنا حبان بن موسى، قال: ثنا ابن المبارك، قال: أخبرنا شريك، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: { وَٱضْرِبُوهُنَّ } قال: ضرباً غير مبرّح. حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس: { وَٱهْجُرُوهُنَّ فِى ٱلْمَضَاجِعِ } واضربوهنّ، قال: تهجرها في المضجع، فإن أقبلت وإلا فقد أذن الله لك أن تضربها ضرباً غير مبرّح، ولا تكسر لها عظماً، فإن أقبلت، وإلا فقد حلّ لك منها الفدية.

PreviousNext
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد