الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }

قال أبو جعفر: يعنـي بقوله تعالـى ذكره: { يَـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ }: احذروا أيها الناس ربكم فـي أن تـخالفوه فـيـما أمركم، وفـيـما نهاكم، فـيحلّ بكم من عقوبته ما لا قِبَل لكم به. ثم وصف تعالـى ذكره نفسه بأنه الـمتوحد بخـلق جميع الأنام من شخص واحد، وعرّف عبـاده كيف كان مبتدأ إنشائه ذلك من النفس الواحدة، ومنبههم بذلك علـى أن جميعهم بنو رجل واحد وأمّ واحدة، وأن بعضهم من بعض، وأن حقّ بعضهم علـى بعض واجب وجوب حقّ الأخ علـى أخيه، لاجتـماعهم فـي النسب إلـى أب واحد وأم واحدة. وأن الذي يـلزمهم من رعاية بعضهم حقّ بعض، وإن بعد التلاقـي فـي النسب إلـى الأب الـجامع بـينهم، مثل الذي يـلزمهم من ذلك فـي النسب الأدنى. وعاطفـاً بذلك بعضهم علـى بعض، لـيتناصفوا، ولا يتظالـموا، ولـيبذل القويّ من نفسه للضعيف حقه بـالـمعروف، علـى ما ألزمه الله له، فقال: { ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ } يعنـي من آدم. كما: حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ: أما { خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ }: فمن آدم صلى الله عليه وسلم. حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { يَـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ } يعنـي: آدم صلى الله عليه وسلم. حدثنا سفـيان بن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن رجل، عن مـجاهد: { خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ } قال: آدم. ونظير قوله: { مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ } والـمعنـيّ به رجل، قول الشاعر:
أبوكَ خـلـيفَةٌ وَلَدتْهُ أُخْرَى   وأنتَ خـلـيفةٌ ذاكَ الكَمالُ
فقال: «ولدته أخرى»، وهو يريد الرجل، فأنث للفظ الـخـلـيفة. وقال تعالـى ذكره: { مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ } لتأنـيث «النفس» والـمعنى. «من رجل واحد» ولو قـيـل: «من نفس واحد»، وأخرج اللفظ علـى التذكير للـمعنى كان صوابـاً. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء }. يعنـي بقوله جلّ ثناؤه: { وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } وخـلق من النفس الواحدة زوجها يعنـي بـ «الزوج» الثانـي لها وهو فـيـما قال أهل التأويـل: امرأتها، حوّاء. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله: { وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } قال: حوّاء من قُصَيْرَى آدم وهو نائم، فـاستـيقظ فقال: «أثا» بـالنبطية امرأة. حدثنا الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } يعنـي حوّاء خـلقت من آدم، من ضلع من أضلاعه.

السابقالتالي
2 3 4 5