الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

قال سلـمان: فأصابنـي من الـحزن شيء لـم يصبنـي مثله قط. فـاشترته امرأة من جهينة فكان يرعى علـيها هو وغلام لها يتراوحان الغنـم هذا يوماً وهذا يوماً، فكان سلـمان يجمع الدراهم ينتظر خروج مـحمد صلى الله عليه وسلم. فبـينا هو يوما يرعى، إذ أتاه صاحبه الذي يعقبه، فقال: أشعرت أنه قد قدم الـيوم الـمدينة رجل يزعم أنه نبـيّ؟ فقال له سلـمان: أقم فـي الغنـم حتـى آتـيك. فهبط سلـمان إلـى الـمدينة، فنظر إلـى النبـي صلى الله عليه وسلم ودار حوله، فلـما رآه النبـي صلى الله عليه وسلم عرف ما يريد، فأرسل ثوبه، حتـى خرج خاتـمه، فلـما رآه أتاه وكلـمه، ثم انطلق، فـاشترى بدينار ببعضه شاة وببعضه خبزاً، ثم أتاه به، فقال: " ما هذا؟ " قال سلـمان: هذه صدقة قال: " لا حاجة لـي بها فأخْرِجْها فلـيأْكُلْها الـمسلـمون " ثم انطلق فـاشترى بدينار آخر خبزاً ولـحماً، فأتـى به النبـيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: " ما هذا؟ " قال: هذه هدية، قال: " فـاقْعُدْ " ، فقعد فأكلا جميعاً منها. فبـينا هو يحدّثه إذ ذكر أصحابه، فأخبره خبرهم، فقال: كانوا يصومون ويصلون ويؤمنون بك، ويشهدون أنك ستبعث نبـياً فلـما فرغ سلـمان من ثنائه علـيهم قال له نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم: " يا سَلْـمانُ هُمْ مِنْ أهْلِ النّارِ " فـاشتدّ ذلك علـى سلـمان، وقد كان قال له سلـمان: لو أدركوك صدّقوك واتبعوك، فأنزل الله هذه الآية: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ }. فكان إيـمان الـيهود أنه من تـمسك بـالتوراة وسنة موسى حتـى جاء عيسى، فلـما جاء عيسى كان من تـمسك بـالتوراة وأخذ بسنة موسى فلـم يدعها ولـم يتبع عيسى كان هالكا. وإيـمان النصارى أنه من تـمسك بـالإنـجيـل منهم وشرائع عيسى كان مؤمنا مقبولاً منه، حتـى جاء مـحمد صلى الله عليه وسلم، فمن لـم يتبع مـحمدا صلى الله عليه وسلم منهم ويدع ما كان علـيه من سنة عيسى والإنـجيـل كان هالكاً. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ } الآية. قال سلـمان الفـارسي للنبـي صلى الله عليه وسلم عن أولئك النصارى وما رأى من أعمالهم، قال: لـم يـموتوا علـى الإسلام. قال سلـمان: فأظلـمت علـيّ الأرض. وذكر اجتهادهم، فنزلت هذه الآية، فدعا سلـمان فقال: " نزلت هذه الآية فـي أصحابك " ثم قال النبـي صلى الله عليه وسلم: " مَنْ مَاتَ علـى دِينِ عِيسَى ومات علـى الإسْلامِ قَبْلَ أنْ يَسْمَعَ بِـي فَهُوَ علـى خَيْرٍ وَمَنْ سَمِعَ بِـي الـيَوْمَ وَلَـمْ يُؤْمِنْ بِـي فَقَدْ هَلَكَ "

PreviousNext
1 2 3 4 5 7