الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ }

يعني جل ثناؤه: ومن الناس من يبيع نفسه بما وعد الله الـمـجاهدين في سبيله وابتاع به أنفسهم بقوله:إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ } [التوبة: 111] وقد دللنا على أن معنى شرى باع في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته. وأما قوله: { ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ } فإنه يعنـي أن هذا الشاري يشري إذا اشترى طلب مرضاة الله. ونصب «ابتغاء» بقوله «يشري»، فكأنه قال: ومن الناس من يشري من أجل ابتغاء مرضاة الله، ثم ترك «من أجل» وعمل فـيه الفعل. وقد زعم بعض أهل العربـية أنه نصب ذلك علـى الفعل علـى يشري كأنه قال: لابتغاء مرضاة الله، فلـما نزع اللام عمل الفعل. قال: ومثله:حَذَرَ ٱلْمَوْتِ } [البقرة: 19] وقال الشاعر وهو حاتـم:
وأغْفِرُ عَوْرَاءَ الكَريـم ادّخارَهُ   وأُعْرضُ عَنْ قَوْل اللَّئِيـم تَكَرُّما
وقال: لـما أذهب اللام أعمل فـيه الفعل. وقال بعضهم: أيـما مصدر وضع موضع الشرط وموضع «أن» فتـحسن فـيها البـاء واللام، فتقول: أتـيتك من خوف الشرّ، ولـخوف الشرّ، وبأن خفت الشرّ فـالصفة غير معلومة، فحذفت وأقـيـم الـمصدر مُقامها. قال: ولو كانت الصفة حرفـاً واحداً بعينه لـم يجز حذفها كما غير جائز لـمن قال: فعلت هذا لك ولفلان، أن يسقط اللام. ثم اختلف أهل التأويـل فـيـمن نزلت هذه الآية فـيه ومن عنى بها، فقال بعضهم: نزلت فـي الـمهاجرين والأنصار، وعنى بها الـمـجاهدون فـي سبـيـل الله. ذكر من قال ذلك: حدثنا الـحسين بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ } قال: الـمهاجرون والأنصار. وقال بعضهم: نزلت فـي رجال من الـمهاجرين بأعيانهم. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ } قال: نزلت فـي صهيب بن سنان وأبـي ذرّ الغفـاريّ جندب بن السكن أخذ أهل أبـي ذرّ أبـا ذرّ، فـانفلت منهم، فقدم علـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم، فلـما رجع مهاجراً عرضوا له، وكانوا بـمر الظهران، فـانفلت أيضاً حتـى قدم علـى النبـيّ علـيه الصلاة والسلام. وأما صهيب فأخذه أهله، فـافتدى منهم بـماله، ثم خرج مهاجراً فأدركه منقذ بن عمير بن جدعان، فخرج له مـما بقـي من ماله، وخـلـى سبـيـله. حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع قوله: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ } الآية، قال: كان رجل من أهل مكة أسلـم، فأراد أن يأتـي النبـيّ صلى الله عليه وسلم ويهاجر إلـى الـمدينة، فمنعوه وحبسوه، فقال لهم: أعطيكم داري ومالـي وما كان لـي من شيء فخـلوا عنى فألـحق بهذا الرجل فأبوا.

السابقالتالي
2 3