قال أبو جعفر: وقد صرّح هذا القول من قول الله جل ثناؤه، بأن خطابه بجميع هذه الآيات من قوله:{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا } [البقرة: 104] وإن صرف فـي نفسه الكلام إلـى خطاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم، إنـما هو خطاب منه للـمؤمنـين وأصحابه، وعتاب منه لهم، ونهي عن انتصاح الـيهود ونظرائهم من أهل الشرك وقبول آرائهم فـي شيء من أمور دينهم، ودلـيـل علـى أنهم كانوا استعملوا، أو من استعمل منهم فـي خطابه ومسألته رسول الله صلى الله عليه وسلم الـجفـاء، وما لـم يكن له استعماله معه، تأسياً بـالـيهود فـي ذلك أو ببعضهم. فقال لهم ربهم ناهيا عن استعمال ذلك: لا تقولوا لنبـيكم صلى الله عليه وسلم كما تقول له الـيهود: «راعنا» تأسياً منكم بهم، ولكن قولوا: «انظرنا واسمعوا»، فإن أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر بـي وجحود لـحقّـي الواجب لـي علـيكم فـي تعظيـمه وتوقـيره، ولـمن كفر بـي عذاب ألـيـم فإن الـيهود والـمشركين ما يودّون أن ينزل علـيكم من خير من ربكم، ولكن كثـيرا منهم ودّوا أنهم يردّونكم من بعد إيـمانكم كفـاراً حسداً من عند أنفسهم لكم ولنبـيكم مـحمد صلى الله عليه وسلم، من بعدما تبـين لهم الـحقّ فـي أمر مـحمد وأنه نبـيّ إلـيهم وإلـى خـلقـي كافة. وقد قـيـل إن الله جل ثناؤه عنى بقوله: { وَدَّ كَثِـيرٌ مِنْ أهْلِ الكِتابِ } كعب بن الأشرف. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري فـي قوله: { وَدّ كَثِـيرٌ مِنْ أهْلِ الكِتابِ } هو كعب بن الأشرف. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا أبو سفـيان العمري، عن معمر، عن الزهري وقتادة: { وَدَّ كَثِـيرٌ مِنْ أهْلِ الكِتابِ } قال كعب بن الأشرف. وقال بعضهم بـما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، قال: حدثنـي ابن إسحاق. وحدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، قال: ثنا مـحمد بن إسحاق، قال: حدثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت، قال: حدثنـي سعيد بن جبـير أو عكرمة، عن ابن عبـاس قال: كان حُيـي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب من أشدّ يهود للعرب حسداً، إذ خصهم الله برسوله صلى الله عليه وسلم، وكانا جاهدين فـي ردّ الناس عن الإسلام بـما استطاعا، فأنزل الله فـيهما: { وَدَّ كَثِـيرٌ مِنْ أهْلِ الكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ } الآية. ولـيس لقول القائل عَنَى بقوله: { وَدَّ كَثِـيرٌ مِنْ أهْلِ الكِتابِ } كعب بن الأشرف معنى مفهوم لأن كعب بن الأشرف واحد، وقد أخبر الله جلّ ثناؤه أن كثـيراً منهم يودّون لو يردّون الـمؤمنـين كفـاراً بعد إيـمانهم. والواحد لا يقال له كثـير بـمعنى الكثرة فـي العدد، إلا أن يكون قائل ذلك أراد بوجه الكثرة التـي وصف الله بها من وصفه بها فـي هذه الآية الكثرة فـي العزّ ورفعة الـمنزلة فـي قومه وعشيرته، كما يقال: فلان فـي الناس كثـير، يراد به كثرة الـمنزلة والقدر.