اختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: وهم يكفرون بـالرحمن { وَلَوْ أنَّ قُرآنا سُيِّرَتْ بِهِ الـجبـالُ }: أي يكفرون بـالله ولو سير لهم الـجبـال بهذا القرآن. وقالوا: هو من الـمؤخر الذي معناه التقديـم. وجعلوا جواب «لو» مقدّماً قبلها، وذلك أن الكلام علـى معنى قـيـلهم: ولو أن هذا القرآن سيرت به الـجبـال أو قُطِّعت به الأرض، لكفروا بالرحمن. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبـاس، قوله: { وَلَوْ أنَّ قُرآناً سُيِّرَتْ بِهِ الجبالُ أوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرضُ أوْ كُلِّـمَ بِهِ الـمَوْتَـى } قال: هم الـمشركون من قريش، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لو وسعت لنا أودية مكة، وسيرت جبـالها، فـاحترثناها، وأحيـيت من مات منا، أو قطِّع به الأرض، أو كلـم به الـموتـى فقال الله تعالـى: { وَلَوْ أنَّ قُرآناً سُيِّرَتْ بِهِ الـجبـالُ أوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرْضُ أوْ كُلِّـمَ بِهِ الـمَوْتَـى بَلْ لِلّهِ الأمْرُ جَميعاً }. حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا شبـابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: { وَلَوْ أنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الـجِبـالُ أوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرْضُ أوْ كُلِّـمَ بِهِ الـمَوْتَـى } قول كفـار قريش لـمـحمد: سير جبـالنا تتسع لنا أرضنا فإنها ضيقة، أو قرّب لنا الشأم فإنا نتـجر إلـيها، أو أخرج لنا آبـاءنا من القبور نكلـمهم فقال الله تعالـى: { وَلَوْ أنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الـجِبـالُ أوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرْضُ أوْ كُلِّـمَ بِهِ الـمَوْتَـى }. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، بنـحوه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، نـحوه. قال: ابن جريج، وقال عبد الله بن كثـير، قالوا: لو فسحت عنا الـجبـال، أو كلـمت به الـموتـى، فنزل ذلك. قال ابن جريج، وقال ابن عبـاس: قالوا: سير بـالقرآن الـجبـال، قطع بـالقرآن الأرض، أخرج به موتانا. حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن كثـير: قالوا: لو فسحت عنا الـجبـال، أو أجريت لنا الأنهار، أو كلـمت به الـموتـى، فنزل: { أفَلَـمْ يَـيْأسِ الَذِينَ آمَنُوا }. وقال آخرون: بل معناه: { وَلَوْ أنَّ قُرآناً سُيِّرَتْ بِهِ الـجِبـالُ } كلام مبتدأ منقطع عن قوله: { وَهُمْ يَكْفُرُونَ بـالرَّحْمَنِ }. قال: وجواب «لو» مـحذوف استغنـي بـمعرفة السامعين الـمرادَ من الكلام عن ذكر جوابها. قالوا: والعرب تفعل ذلك كثـيراً، ومنه قول امرىء القـيس:
فَلَوْ أنَّها نَفْسٌ تَـمُوتُ سَرِيحَةً
ولكِنَّها نَفْسٌ تَقَطَّعُ أنْفُسَا
وهو آخر بيت في القصيدة، فترك الـجواب اكتفـاء بـمعرفة سامعه مراده، وكما قال الآخر: