الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }

حدثني يونس، قال: أخبرنا أنس بن عياض، عن هشام، عن أبيه في هذه الآية: { لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدُّنْيا وفِي الآخِرَةِ } قال: هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له. حدثنا محمد بن عوف، قال: ثنا أبو المغيرة، قال: ثنا صفوان، قال: ثنا حميد بن عبد الله: أن رجلاً سأل عبادة بن الصامت عن قول الله تعالى: { لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدُّنْيا وفِي الآخِرَةِ } فقال عبادة: لقد سألتني عن أمر ما سألني عنه أحد قبلك، ولقد سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عما سألتني فقال لي: " يا عُبادَةُ لَقَدْ سألْتَنِي عَنْ أمْرٍ ما سألَنِي عَنْهُ أحَدٌ مِنْ أُمَّتِي تِلْكَ الرُّؤْيا الصَّالِحَةُ يَرَاها المُؤْمِنُ لِنَفْسِهِ أوْ تُرَى لَهُ " وقال آخرون: هي بشارة يبشر بها المؤمن في الدنيا عند الموت. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري وقتادة: { لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدُّنْيا } قال: هي البشارة عند الموت في الحياة الدنيا. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يعلى، عن أبي بسطام، عن الضحاك: { لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدُّنْيا } قال: يعلم أين هو قبل الموت. وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أن لأوليائه المتقين البشرى في الحياة الدنيا، ومن البشارة في الحياة الدنيا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرَى له منها بشرى الملائكة إياه عند خروج نفسه برحمة الله، كما رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: " إنَّ المَلائِكَةَ التي تَحْضُرُه عِنْدَ خُرُوجِ نَفْسِهِ، تَقُولُ لَنْفْسِهِ: اخْرُجي إلى رَحْمَةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ " وَمنها: بشرى الله إياه ما وعده في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الثواب الجزيل، كما قال جلّ ثناؤه:وبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحاتِ أنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ... } الآية. وكلّ هذه المعاني من بشرى الله إياه في الحياة الدنيا بشره بها، ولم يخصص الله من ذلك معنى دون معنى، فذلك مما عمه جلّ ثناؤه أن { لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدُّنْيا } وأما في الآخرة فالجنة. وأما قوله: { لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ } فإن معناه: إن الله لا خلف لوعده ولا تغيير لقوله عما قال ولكنه يمضي لخلقه مواعيده وينجزها لهم. وقد: حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية عن أيوب، عن نافع، قال: أطال الحجاج الخطبة، فوضع ابن عمر رأسه في حجري، فقال الحجاج: إن ابن الزبير بدّل كتاب الله فقعد ابن عمر فقال: لا تستطيع أنت ذاك ولا ابن الزبير { لا تَبْدْيِلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ }. فقال الحجاج: لقد أوتيت علما أن تفعل. قال أيوب: فلما أقبل عليه في خاصة نفسه سكت. وقوله: { ذلكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ } يقول تعالى ذكره: هذه البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة هي الفوز العظيم، يعني الظفر بالحاجة والطلبة والنجاة من النار.

PreviousNext
1 2 3 4 5