الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَاتِ ٱلرَّسُولِ أَلاۤ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ وَمِنَ ٱلاْعْرَابِ } أي من جنسهم على الإطلاق { مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلاْخِرِ } على الوجه المأمور به { وَيَتَّخِذُ } على وجه الاصطفاء والاختيار { مَا يُنفِقُ } في سبيل الله تعالى { قُرُبَـٰتٍ } جمع قربة بمعنى التقرب، وهو مفعول ثان ليتخذ، والمراد اتخاذ ذلك سبباً للتقرب على التجوز في النسبة أو التقدير، وقد تطلق القربة على ما يتقرب به والأول اختيار الجمهور، والجمع باعتبار الأنواع والأفراد، وقوله سبحانه: { عَندَ ٱللَّهِ } صفة { قُرُبَـٰتٍ } أو ظرف ليتخذ. وجوز أبو البقاء كونه ظرفاً لقربات على معنى مقربات عند الله تعالى.

وقوله تعالى: { وَصَلَوٰتِ ٱلرَّسُولِ } عطف على { قُرُبَـٰتٍ } أي وسبباً لدعائه عليه الصلاة والسلام فإنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة ويستغفر لهم، ولذلك يسن للمتصدق عليه أن يدعو للمتصدق عند أخذ صدقته لكن ليس له أن يصلي عليه، فقد قالوا: لا يصلى على غير الأنبياء والملائكة عليهم الصلاة والسلام إلا بالتبع لأن في الصلاة من التعظيم ما ليس في غيرها من الدعوات وهي لزيادة الرحمة والقرب من الله تعالى فلا تليق بمن يتصور منه الخطايا والذنوب ولاقت عليه تبعاً لما في ذلك من تعظيم المتبوع. واختلف هل هي مكروهة تحريماً أو تنزيهاً أو خلاف الأولى؟ صحح النووي في «الأذكار» الثاني، لكن في خطبة «شرح الأشباه» للبيري من صلى على غيرهم أثم وكره وهو الصحيح. وما رواه الستة غير الترمذي من قوله صلى الله عليه وسلم: " اللهم صل على آل أبـي أوفى " لا يقوم حجة على المانع لأن ذلك كما في «المستصفى» حقه عليه الصلاة والسلام فله أن يتفضل به على من يشاء ابتداءاً وليس الغير كذلك. وأما السلام فنقل اللقاني في «شرح جوهرة التوحيد» عن الإمام الجويني أنه في معنى الصلاة فلا يستعمل في الغائب، ولا يفرد به غير الأنبياء والملائكة عليهم السلام فلا يقال: عليّ عليه السلام بل يقال: رضي الله تعالى عنه، وسواء في هذا الأحياء والأموات إلا في الحاضر فيقال: السلام أو سلام عليك أو عليكم، وهذا مجمع عليه انتهى، أقول: ولعل من الحاضر «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» و «سلام عليكم دار قوم مؤمنين» وإلا فهو مشكل. والظاهر أن العلة في منع السلام ما قاله النووي في علة منع الصلاة من أن ذلك شعار أهل البدع وأنه مخصوص في لسان السلف بالأنبياء والملائكة عليهم السلام كما أن قولنا: عز وجل مخصوص بالله سبحانه فلا يقال محمد عز وجل وإن كان عزيزاً جليلاً صلى الله عليه وسلم، ثم قال اللقاني: وقال القاضي عياض ((الذي ذهب إليه المحققون وأميل إليه ما قاله مالك وسفيان، [وروي عن ابن عباس] واختاره غير واحد من الفقهاء والمتكلمين أنه يجب تخصيص النبـي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالصلاة والتسليم (كما يختص الله سبحانه عند ذكره بالتقديس والتنزيه ويذكر من سواهم [من الأئمة وغيرهم] بالغفران والرضا كما قال تعالى:

السابقالتالي
2