{ وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ ٱللَّهِ } امتثالاً لأمره، وترجيحاً لحبّه، وقطعاً لحب ما سواه. و { قُرُبَاتٍ } مفعول ثان لـ { يَتَّخِذُ } ، وجمعها باعتبار أنواعها، أو أفرادها. قال الشهاب: القُربة (بالضم) ما يتقرب به إلى الله، ونفس التقرب، فعلى الثاني يكون معنى اتخاذها تقرباً اتخاذها سبباً له، على التجوّز في النسبة أو التقدير. و { عِندَ ٱللَّهِ } صفة لـ { قُرُبَاتٍ } أي: ظرف لـ { يَتَّخِذُ }. { وَصَلَوَاتِ ٱلرَّسُولِ } أي: سبب دعواته بالرحمة المكملة لقصوره، وكان صلى الله عليه وسلم يدعو للمتصدقين بالخير والبركة، ويستغفر لهم ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: " اللهم صلِّ على آل أبي أوفى " { أَلاۤ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ } الضمير لما ينفق، والتأنيث باعتبار الخبر، والتنكير للتفخيم، أي: قربة عظيمة جامعة لأنواع القربات، يكملها الله بدعوة الرسول، ويزيد على مقتضاها بما أشار إليه بقوله: { سَيُدْخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ } أي: جنته { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } يستر عيب المخلّ { رَّحِيمٌ } يقبل جهل المقلّ. قال الزمخشريّ: قوله تعالى: { أَلاۤ إِنَّهَا } شهادة من الله للمتصدق بصحة ما اعتقد من كون نفقته قربات وصلوات وتصديق لرجائه، على الاستئناف، مع حرفي التنبيه والتحقيق، المؤذنيْن بثبات الأمر وتمكنه. وكذلك { سَيُدْخِلُهُمُ } وما في (السين) من تحقيق الوعد. وما أدلّ هذا الكلام على رضا الله تعالى عن المتصدقين، وأن الصدقة منه بمكان، إذا خلصت النية من صاحبها! انتهى. وفيه (الانتصاف): النكتة في إشعار (السين) بالتحقيق أن معنى الكلام معها (أفعل كذا، وإن أبطأ الأمر) أي: لا بد من فعله، قال الشهاب: وفيه تأمل. ولما بيّن تعالى فضيلة مؤمني الأعراب بما تقدم، تأثره ببيان من هم فوقهم بمنازل من الفضيلة والكرامة، بقوله سبحانه: { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنْصَارِ... }.