قوله: { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ } الآية قال أكثر المفسرين المراد: أبوه وخالته " ليَّا " وكانت أمه قد ماتت في نفاسها ببنيامين وقال الحسنُ: أبوه وأمه، وكانت حية. وروي: أنَّ الله ـ تعالى ـ أحيَا أمّه حتَّى جاءت مع يعقوب إلى مصر حتَّى سجدت له تحقيقاً لرؤيا يوسف. وقيل: إن الخالة أم كما أنَّ العم أبٌ، قال تعالى:{ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ } [البقرة:133]، ومعنى { آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ } ضمهما إليه، واعتنقهما. فإن قيل: ما معنى دخولهما عليه قبل دخولهم مصر؟. فالجواب: أنَّهُ حين استقبلهم أنزلهم في خيمة، أو بيت هناك، فدخلوا عليه وضم إليه أبويه وقال: { ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ } ، أي: أقيموا بها آمنين، سمَّى الإقامة دخولاً؛ لاقتران أحدهما بالآخر. قال السديُّ في هذا الاستثناء قولان: الأول: أنه عائدٌ إلى الأمن إلى الدخول، والمعنى: ادخلوا مصر آمنين إن شاء الله، كقوله تعالى:{ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ } [الفتح:27]. وقيل: إنَّه عائدٌ إلى الدُّخول كما تقدَّم. وقيل: " إنْ " هنا بمعنى: " إذْ " يريدُ: إن شاء الله، كقوله:{ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [آل عمران:139] أي: إذ كنتم مؤمنين. ومعنى قوله: " آمِنينَ " أي على أنفسكم، وأموالكم، وأهليكم لا تخافون أحداً، وكان فيما سلف يخافون ملك مصر، وقيل: آمنين من القحطِ والشّدة وقيل آمنين من أن يضرهم يوسف بالجرم السالف. { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ } من باب التَّغليب، يريد: أباه وأمه ـ أو خالته ـ { عَلَى ٱلْعَرْشِ } قال أهل اللغة: العرشُ: السَّريرُ الرَّفيعُ، قال تعالى:{ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } [النمل:23]. والرفع: هو النقل إلى العلو، و " سُجَّداً " حال. قال أبو البقاء: " حال مقدرةٌ؛ لأنَّ السجود يكون بعد الخُرُورِ ". فإن قيل: إن يعقوب ـ عليه السلام ـ كان أبا يوسف فحقُّه عظيم، قال تعالى:{ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [الإسراء:23] فقرن حق الوالدين بحق نفسه، وأيضاً: فإنَّه كان شيخاً كبيراً [والشاب] يجبُ عليه تعظيم الشيخ وأيضاً: كان من أكابر الأنبياء، ويوسف، وإن كان نبياً إلا أن يعقوب كان أعلى حالاً منه. وأيضاً: فإن جدّ يعقوب، واجتهاده في تكثير الطّاعات أكثر من جد يوسف، واجتماع هذه الجهات الكثيرةِ يوجب المبالغة في خدمة يعقوب، فكيف استجاز يوسف أن يسجد له يعقوب؟. فالجواب من و جوه: الأول: روى عطاءٌ عن ابن عبَّاسٍ: أنَّ المراد بهذه الآية أنهم خرُّوا سجداً لأجل وجدانه، فيكون سجود شكر لله تعالى لأجل وجدانه يوسف، ويدلُّ عليه قوله تعالى: { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً }. وذلك يشعر بأنهم صعدوا على السرير، ثمَّ سجدوا لله، ولو أنهم سجدوا ليوسف لسجدوا له قل الصُّعود على السَّرير؛ لأنَّ ذلك أدخل في التَّواضع.