الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يٰوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ }

قوله: { فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ }: فيه أوجهٌ أحدُها: ـ وهو الأجود ـ أن تكونَ " هي " ضميرَ القصة، و " شاخصةٌ " خبرٌ مقدمٌ، و " أبصارُ " مبتدأ مؤخر، والجملةُ خبرٌ لـ " هي " لأنها لا تُفَسَّر إلاَّ بجملةٍ مصرِّحٍ بجزأيها، وهذا مذهبُ البصريين. الثاني: أن تكونَ " شاخصة " مبتدأ، و " أبصارُ " فاعلٌ سدَّ مَسَدَّ الخبرِ، وهذا يتمشَّىٰ على رأي الكوفيين؛ لأنَّ ضميرَ القصةِ يُفَسَّر عندهم بالمفردِ العاملِ عملَ الفعلِ فإنَّه في قوة الجملة. الثالث: قال الزمخشري: " هي " ضميرٌ مُبْهَمٌ تُوَضِّحه الأبصارُ وتُفَسِّره، كما فُسِّر { ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ }وَأَسَرُّواْ } [الأنبياء: 3]. ولم يَذْكر غيرَه. قلت: وهذا هو قولُ الفراء؛ فإنَّه قال: " هي " ضميرُ الأبصارِ تقدَّمَتْ لدلالة الكلام ومجيءِ ما يُفَسِّرها ". وأنشد شاهداً على ذلك:/
3362ـ فلا وأبيها لا تقول حَليلتي     ألا فَرَّعني مالكُ بنُ أبي كعبِ
الرابع: أن تكونَ " هي " عماداً، وهو قول الفراء أيضاً، قال: " لأنه يَصْلُح موضعَها " هو " وأنشد:
3363ـ بثوبٍ ودينارٍ وشاةٍ ودِرْهمٍ     فهل هو مرفوعٌ بما ههنا راسُ
وهذا لا يَتَمَشَّى إلاَّ على أحدِ قولي الكسائي: وهو أنه يُجيز تقدُّمَ الفصلِ مع الخبرِ المقدَّم نحو: " هو خيرٌ منك زيد " الأصل: زيدٌ هو خيرٌ منك، وقال الشيخ: " أجاز هو القائمُ زيدٌ، على أنَّ " زيداً " هو المبتدأ و " القائم " خبره و " هو " عمادٌ. وأصلُ المسألةِ: زيدٌ هو القائم ". قلتُ: وفي هذا التمثيلِ [نظرٌ]؛ لأنَّ تقديمَ الخبرِ هنا ممتنعٌ لا ستوائِهما في التعريفِ، بخلاف المثال الذي قَدَّمْتُه، فيكون أصلُ الآيةِ الكريمة: فإذا أبصارُ الذين كفروا هي شاخصةٌ، فلما قُدِّم الخبرُ وهو " شاخصةٌ " قُدِّم معها العِمادُ. وهذا أيضاً إنما يجيءُ على مذهبِ مَنْ يرى وقوعَ العمادِ قبل النكرة غيرِ المقاربةِ للمعرفةِ.

الخامس: أَنْ تكونَ " هي " مبتدأً، وخبرُه مضمرٌ، ويَتِمُّ الكلامُ حينئذٍ على " هي " ، ويُبْتَدأ بقوله " شاخصة أبصار ". والتقديرُ: فإذا هي بارزةٌ أي: الساعةُ بارزةٌ أو حاضرة، و " شاخصةٌ " خبرٌ مقدمٌ و " أبصارُ " مبتدأٌ مؤخرٌ. ذكره الثعلبي. وهو بعيدٌ جداً لتنافرِ التركيبِ، وهو التعقيدُ عند علماءِ البيان.

قوله: { يٰوَيْلَنَا } معمولٌ لقولٍ محذوفٍ، وفي هذا القولِ المحذوفِ وجهان، أحدُهما: أنَّه جوابُ " حتى إذا " كما تقدَّم. والثاني: في محلِّ نصبٍ على الحالِ من " الذين كفروا " ، قاله الزمخشري.