الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً }

ولهذه الآية قصة، واقتناص الخواطر من هذه القصة يتطلب يقظة تعلمنا كيف يخاطب الحق خلقه. فقد حدثنا سيدنا زيد بن ثابت وهو المأمون على كتابه وحي رسول الله. وهو المأمون على جمع كتاب الله من اللخاف ومن العظام ومن صدور الصحابة، حدثنا فقال: - كنت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغشيته السكينة - وهذه كانت دائماً تسبق نزول الوحي على رسول الله - فوقعت فخذه على فخذي حتى خشيت أن تَرُضَّها. أي أن فخذ رسول الله كانت ثقيلة. والوحي ساعة كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ربّما كان يصنع في كيماوية رسول الله تأثيراً مادياً بحيث إذا كان على دابة عرف الناس أنه يوحى إليه لأن الدابة كانت تئط تحته فإذا كانت فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذ زيد بن ثابت، فلا بد أن يشعر سيدنا زيد بثقل فخذ رسول الله وقد جاءه الوحي. قال زيد: خشيت أن ترضّ فخذه فخذي - أي تصيبها بالدّق الشديد أو الكسر. فلما سُري عنه قال اكتب: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون " ، فقال سيدنا ابن أم مكتوم، وكان - كما نعلم - ضريراً مكفوف البصر قال: فكيف بمن لا يستطيع الجهاد من المؤمنين يا رسول الله؟ إنها اليقظة الإيمانية من ابن أم مكتوم، لأنه فهم موقفه من هذا القول، ومن أنه لا يستطيع الجهاد، وعلم أنه إن كانت الآية ستظل على هذا فلن يكون مستوياً مع مَنْ جاهد، ولهذا قال قولته اليقظة: فكيف بمن لا يستطيع ذلك يا رسول الله؟ فأخذت رسول الله السكينة ثانيةً، ثم سرى عنه، فقال لزيد بن ثابت: اكتب: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله ". فكأنها نزلت جواباً مطمئناً لمن لا يستطيع القتال مثل ابن أم مكتوم. ولقائل أن يقول: وهل كانت الآية تنتظر أن يستدرك ابن أم مكتوم ليقول هذا؟. ونقول: إن الحق سبحانه وتعالى أراد أن ينبه كل مؤمن أنه حين يتلقى كلمة من الله أن يتدبر ويتبيّن موقعه من هذه الكلمة فإذا كان ذلك حال سيدنا ابن أم مكتوم فيما سمع رسول الله عن ربه فهو يعلمنا كيف نستحضر دورنا من أية قضية نسمعها. وحينما سمع ابن أم مكتوم الآية رأي موقفه من هذه الآية، وهذا ما يريده الحق من خلقه. وقال زيد بن ثابت: فكتبتها. إنها الدقة في أداء زيد بن ثابت لتدلنا على صدق الرواية، فحين يكتب أولاً " لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون " ألا تلتصق كلمة " والمجاهدون " بكلمة " المؤمنين " فإذا زاد الحق سبحانه وتعالى " غير أولي الضرر " فأين تكتب؟ كأن زيد بن ثابت كان عليه أن يقوم بتصغير الكتابة ليكتب " غير أولي الضرر " بين كلمة " من المؤمنين " وكلمة " والمجاهدون ".

السابقالتالي
2 3 4