الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً }

قوله: { لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ } الآية.

من قرأ: غيرَ بالنصب فعلى الاستثناء بمعنى [إلا] أولي الضرر، فإنهم يستوون مع المجاهدين، ويجوز النصب على الحال بمعنى لا يستوي القاعدون في حال صحتهم.

ومن رفع على النعت للقاعدين بمعنى لا يستوي القاعدون الأصحاء عن الجهاد يوم بدر والمجاهدون.

وقدره أبو إسحاق: { لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَٰعِدُونَ } الذين هم { غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ } ، وهو بمعنى [الصفة] التي ذكرنا وقرأه أبو حيوة غيرِ مخفوض على النعت للمؤمنين. وقال المبرد: هو بدل لأنه نكرة والأول معرفة.

{ دَرَجَةً } نصب على البدل من قوله { أَجْراً }.

وقيل: إن فيه معنى التأكيد كما تقول علي ألف درهم عرفاً.

ومعنى الآية: لا يعتدل من جاهد في ذات الله، ومن قعد عن ذلك، إلا أن يكون القاعدون من أولي الضرر، فإنه يستوي مع المجاهد. هذا على قراءة النصب، والنصب في الآية أحسن لما روى البراء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " " إيتوني بكتف أو لوح فكتب " لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون " وعمر بن أم مكتوم خلف ظهره فقال: هل لي من رخصة يا رسول الله؟ فنزلت { غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ } " على الاستثناء.

وقال زيد بن ثابت: املى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم

{ لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ }.

قال: فجاء ابن أم مكتوم وهو يمليها علي فقال: يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت، قال: فأنزل الله عليه، وفخذه على فخذه، فثقلت حتى خشيت أن تسترض فخده [ثم] سرى عنه فقال: { غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ }.

وهذا في غزاة بدر، وقد قال ذلك عطاء وقتادة والسدي والزهري ذكروا أن الاستثناء نزل في ابن أم مكتوم.

قوله: { فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ دَرَجَةً } ، أي: فضيلة يريد القاعدين من أولى الضرر، فضل الله المجاهدين على القاعد للضرر درجة واحدة لجهاده بنفسه وماله { وَكُـلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ } أي: المجاهد والقاعد من أولي الضرر، وعدهم الله الحسنى، وهي الجنة لأنهم كلهم مؤمنون.

وذكر الأموال في هذا الموضع، وتفضيل الذين ينفقونها في سبيل الله يدل على تفضيل الغنى على الفقر، وهو في القرآن كثير، فلا يستوي في الفضل من أعطاه الله مالاً، فأنفقه في سبيله، ومن لم يعطه الله مالاً، فود لو كان معه مال فأنفقه في سبيل الله، لا يستوي [من نوى] ففعل، مع من نوى ولم يفعل، فقد أنفق عثمان رضي الله عنه على جيش العسرة وبان بفضل ذلك، وود أصحابه أن يقدروا على مثل فعله. وقد كان أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أيسر من كثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2