الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ }

{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } أي: محرمون بحجٍّ أو عمرة.

قال المهايميّ: لأن قتله تجبّر. والمحرم في غاية التذلّل. انتهى.

وذكر القتل، دون الذبح والذكاة، للتعميم. أو للإيذان بكونه في حكم الميتة. و (الصيد) ما يصاد مأكولاً أو غيره. ولا يستثني إلا ما ثبت في (الصحيحين) عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور " وفي رواية: (الحية) بدل (العقرب).

قال زيد بن أسلم وابن عيينة: الكلب العقور يشمل السباع العادية كلها. ويستأنس لهذا بما روي " أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا دعا على عتبة بن أبي لهب قال: " اللهّم! سلّط عليه كلبك " فأكله السبع بالزرقاء. { وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم } أيها المحرمون { مُّتَعَمِّداً } ذاكراً لإحرامه { فَجَزَآءٌ } بالتنوين ورفع ما بعده، أي: فعليه جزاء هو { مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ } أي: شبهه في الخلقة. وفي قراءة بإضافة (جزاء) { يَحْكُمُ بِهِ } أي: بالمثل مجتهدان { ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ } لهما فطنة يميزان بها أشبه الأشياء به. وقد حكم ابن عباس وعمر وعليّ رضي الله عنهم في النعامة ببدنة. وابن عباس وأبو عبيدة في بقر الوحش وحماره ببقرة، وابن عمر وابن عوف في الظبي بشاة. وحكم بها ابن عباس وعمر وغيرهما في الحمام؛ لأنه يشبهها في العبّ { هَدْياً } حال من (جزاء) { بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ } أي: يبلغ به الحرم. فيذبح فيه ويتصدق به على مساكينه. فلا يجوز أن يذبح حيث كان { أَوْ } عليه { كَفَّارَةٌ } غير الجزاء. وإن وجده. هي { طَعَامُ مَسَاكِينَ } من غالب قوت البلد ما يساوي قيمة الجزاء. لكل مسكين مدّ. وفي قراءةٍ بإضافة " كفارةٍ " لما بعده، وهي للبيان { أَو } عليه { عَدْلُ } مثل { ذٰلِكَ } الطعام { صِيَاماً } يصوم، عن كل مدّ، يوماً { لِّيَذُوقَ } أي: هاتكُ حرمة الله { وَبَالَ أَمْرِهِ } أي: شدة وثقل هتكه لحرمة الإحرام. و (وليذوق) متعلق بالاستقرار في الجار والمجرور. أي: فعليه جزاء ليذوق. أو بفعل يدلّ عليه الكلام. أي: شرع ذلك عليه ليذوق { عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف } من قتل الصيد قبل تحريمه. { وَمَنْ عَادَ } إليه { فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ } بطلب الجزاء في الدنيا والمعاقبة في الآخرة. وكيف يترك ذلك { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ } غالب على أمره. ومقتضى عزته الانتقام من هاتك حرمته، فهو لا محالة { ذُو ٱنْتِقَامٍ } ممّن عصاه.

تنبيهات

الأول: روي ابن أبي حاتم عن طاوس قال: لا يحكم على من أصاب صيداً خطأ، إنما يحكم على من أصابه متعمداً. قال ابن كثير: وهذا مذهب غريب. وهو تمسك بظاهر الآية.

ورأيت في بعض تفاسير الزيدية نسبة هذا القول إلى ابن عباس وعطاء ومجاهد وسالم وأبي ثور وابن جبير والحسن في (إحدى الروايتين)، والقاسم والهادي والناصر وغيرهم.

السابقالتالي
2