{ على مكانتكم } معناه: على حالاتكم، وهذا كما تقول: مكانة فلان في العلم فوق مكانة فلان، يستعار من البقاع إلى المعاني. وقرأ الحسن وأبو عبد الرحمن وعاصم: " مكانتكم " بالجمع، والجمهور على الإفراد. وقوله: { اعملوا } تهديد ووعيد، وهو نحو قوله:{ اعملوا ما شئتم } [فصلت: 40] وقوله: { من يأتيه } يجوز أن تكون { من } مفعولة بـ { تعلمون } والثانية عطف عليها، قال الفراء: ويجوز أن تكون استفهاماً في موضع رفع بالابتداء. قال القاضي أبو محمد: الأول أحسن لأنها موصولة ولا توصل في الاستفهام، ويقضي بصلتها أن المعطوفة عليها موصولة لا محالة، والصحيح أن الوقف في قوله: { إني عامل } ثم ابتداء الكلام بالوعيد، و { من } معمولة لـ { تعلمون } وهي موصولة. وقوله: { وارتقبوا } كذلك تهديد أيضاً. وقوله تعالى: { ولما جاء أمرنا } الآية، " الأمر " ها هنا يصح أن يكون مصدر أمر ويصح أن يكون واحد الأمور. وقوله: { برحمة منا } إما أن يقصد الإخبار عن الرحمة التي لحقت شعيباً لنبوته وحسن عمله وعمل متبعيه، وإما أن يقصد أن النتيجة لم تكن إلا بمجرد رحمة لا بعمل من أعمالهم، وأما { الصيحة } فهي صيحة جبريل عليه السلام، وروي أنه صاح بهم، صيحة جثم لها كل واحد منهم في مكانه حيث سمعها ميتاً قد تقطعت حجب قلبه، و " الجثوم " أصله في الطائر إذا ضرب بصدره إلى الأرض، ثم يستعمل في غيره إذا كان منه بشبه. وقوله تعالى: { كان لم يغنوا فيها } الآية، الضمير في قوله: { فيها } عائد على " الديار " ، و { يغنوا } معناه: يقيمون بنعمة وخفض عيش، ومنه المغاني وهي المنازل المعمورة بالأهل، وقوله: { ألا } تنبيه للسامع، وقوله: { بعداً } مصدر، دعا به، وهذا كما تقول: سقياً لك ورعياً لك وسحقاً للكافر ونحو هذا، وفارقت هذه قولهم: سلام عليك، لأن هذا كأنه إخبار عن شيء قد وجب وتحصل، وتلك إنما هي دعاء مترجى: ومعنى " البعد " - في قراءة من قرأ " بعِدت " بكسر العين - الهلاك - وهي قراءة الجمهور ومنه قول خرنق بنت هفان: [الكامل]
لا يبعدنْ قومي الذين همُ
سُمُّ العداةِ وآفة الجزرِ
ومنه قول مالك بن الريب: [الطويل]
يقولون لا تبعد وهم يدفنونني
وأين مكان البعد إلا مكانيا
وأما من قرأ " بعدت " وهو السلمي وأبو حيوة - فهو من البعد الذي ضده القرب، ولا يدعى به إلا على مبغوض.