وقوله سبحانه: { وَجَاءَ ٱلْمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ... } الآية: قال ابن عبَّاس وغيره: هؤلاء كانوا مؤمنين، وكانَتْ أَعذارُهُم صادقة، وأصل اللفظة: «المُعْتَذِرُونَ»، فقلبت التاءُ ذالاً وأدغمتْ، وقال قتادة، وفرقةٌ معه: بل الذين جاؤوا كفرةٌ، وقولُهُمْ وعُذْرهم كَذِبٌ. قال * ص *: والمعنى: تكلَّفوا العُذْر، ولا عذر لهم، و { كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } ، أي: في إيمانهم. انتهى. وقوله: { سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ... } الآية قوله: { مِنْهُمْ } يؤيِّد أن المعذِّرين كانوا مؤمنين، فتأمَّله، قال ابنُ إِسحاق: المعذِّرون: نَفَرٌ من بني غِفَارٍ؛ وهذا يقتضي أنهم مؤمنون. وقوله جلَّت عظمته: { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَاءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ... } الآية: يقولُ: ليس على أهل الأعذار مِنْ ضَعْف بدنٍ أو مرضٍ أو عدمِ نفقةٍ إِثمٌ؛ والحَرَجُ: الإِثم. وقوله: { إِذَا نَصَحُواْ }: يريد: بنيَّاتهم وأقوالهم سرًّا وجهراً، { مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ }: أي: من لائمةٍ تناطُ بِهِمْ، ثم أكَّد الرجاءَ بقوله سبحانه: { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، وقرأ ابنُ عبَّاس: « وَاللَّهُ لأَهْلِ الإِسَاءَة غَفُورٌ رَحِيم»، وهذا على جهة التفسيرِ أشبهُ منه على جهةِ التلاوةِ؛ لخلافه المُصْحَفَ، واختلف فيمَنْ المرادُ بقوله: { ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ }: فقالتْ فرقة: نَزلَتْ في بَنِي مُقَرِّنٍ: ستَّة إِخوة، وليس في الصحابة ستَّة إِخوة غيرهم، وقيل: كانوا سبعةً. وقيل: نزلَتْ في عائِذِ بْنِ عمرو المُزَنيِّ؛ قاله قتادة، وقيل: في عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَعْقِلٍ المزَنِّي. قاله ابن عباس. وقوله عَزَّ وجلَّ: { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ } هذه الآيةُ نزلَتْ في البَكَّائين، واختلف في تعيينهم، فقيل: في أبي موسَى الأشعريِّ وَرَهْطِهِ، وقيل: في بني مُقَرِّنٍ؛ وعلى هذا جمهور المفسِّرين، وقيل: نزلَتْ في سبعة نَفَرٍ من بطونٍ شتَّى، فهم البَكَّاؤون، وقال مجاهد: البَكَّاؤون هم بنو مُقَرِّن من مُزَيْنة، ومعنى قوله: { لِتَحْمِلَهُمْ }: أيْ: عَلَى ظَهْر يُرْكَبُ، ويُحْمَل عليه الأثاثُ. * ت *: وقصة أبي موسَى الأشعريِّ ورَهْطِهِ مذكورةٌ في الصَّحيح، قال ابنُ العربيِّ في «أحكامه»: القول بأن الآية نزلَتْ في أبي موسَى وأصحابه هو الصحيحُ، انتهى.