الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ }

قال الحق سبحانه: { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ.. } [يونس: 90] لأن الاجتياز لم يكن بأسباب بشرية، بل بفعل يخرج من أسباب البشر، فلو أن موسى عليه السلام قد حفر نفقاً تحت الماء، أو لو كان قد ركب سفناً هو وقومه لكان لهم مشاركة في اجتياز البحر، لكن المجاوزة كانت بأسباب غير ملوحظة بالنسبة للبشر، فالحق سبحانه هو الذي أوحى لموسى:أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ.. } [الشعراء: 63]. ومياه البحر كأية مياه أخرى تخضع لقانون السيولة، والاستطراق هو وسيلة السيولة، وهي عكس التجمد الذي يتسم بالتحيز. والاستطراق هو الذي قامت عليه أساليب نقل المياه من صهاريج المياه التي تكون في الأغلب أعلى من طول أي منزل، ويتم ضخ المياه إليها لتتوزع من بعد ذلك حسب نظرية الأواني المستطرقة على المنازل، أما إذا كانت هناك بناية أعلى طولاً من الصهريج، هنا يقوم سكان المبنى بتركيب مضخة لرفع المياه إلى الأدوار العالية. وإذا كان قانون البحر هو السيولة والاستطراق، فكيف يتم قطع هذا الاستطراق؟ يقول الحق سبحانه:.. فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ } [الشعراء: 63]. فكيف تحول الماء إلى جبال يفصل بينها سراديب وطرق يسير فيها موسى عليه السلام وقومه؟ كيف يسير موسى وقومه مطمئنين؟ لا بد أنها معية الله سبحانه التي تحميه، وهي تفسير لقول الحق سبحانه:.. إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [الشعراء: 62]. ورغم ذلك يتبعهم فرعون وجنوده لعله يدركهم، وأراد سيدنا موسى - عليه السلام - بمجرد نجاحه في العبور هو وقومه أن يضرب البحر بعصاه ليعود إلى قانون السيولة، ولو فعل ذلك لما سمح لفرعون وجنوده أن يسيروا في الممرات التي بين المياه التي تحولت إلى جبال، ولكن الله - سبحانه وتعالى - يريد غير ذلك، فقد أراد الحق سبحانه أن ينجي ويهلك بالشيء الواحد، فأوحى لموسى عليه السلام:وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ } [الدخان: 24]. أي: اترك البحر على حاله فينخدع فرعون وجنوده، وما إن ينزل آخر جندي منهم إلى الممر بين جبال الماء سيعود البحر إلى حالة السيولة فيغرق فرعون وجنوده، وينجو موسى وقومه. ويقول الحق سبحانه: { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ.. } [يونس: 90]. فهل كان هذا الإتباع دليل إرادة الشر؟ أكان من الممكن أن تكون نية الفرعون أن يدعو موسى وقومه إلى العودة إلى مصر ليستقروا فيها؟ لا، لم تكن هذه هي نية الفرعون لذلك قال الحق سبحانه عن هذا الإتباع: { بَغْياً وَعَدْواً.. } [يونس: 90]. أي: أنه اتباع رغبة في الانتقام والإذلال والعدوان. ويصور القرآن الكريم لحظة غرق فرعون بقوله: { حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ.. } [يونس: 90]. والإدراك: قصد للمدرك أن يلحق بالشيء، والغرق معنى، فكيف يتحول المعنى إلى شيء يلاحق الفرعون؟ نعم، فكأن الغرق جندي من الجنود، وله عقل ينفعل فيجري إلى الأحداث: {.

السابقالتالي
2