قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ } يجوز أن يكون " في أنفسهم " ظرفاً، على معنى: أو لم يحدثوا التفكر في أنفسهم، أي: في قلوبهم [الفارغة من الفكر]، والتفكر لا يكون إلا في القلوب، ولكنه زيادة تصوير لحال المتفكرين، كقولك: " اعتقده في قلبك وأضمره في نفسك " ، وأن يكون صلةً للتفكر، كقولك: تَفَكَّر في الأمر. { مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } قال صاحب الكشاف: يجوز أن يكون " ما " نفياً فتقف على قوله: { في أنفسهم } وتبتدئ بـ " ما " ، وقد عدى التفكر بـ " في " ، فجرى مجرى قوله:{ أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [الأعراف: 185]. ويجوز أن تجعل " ما " متصلاً بما قبله وإن كان نفياً، كقوله تعالى:{ وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } [فصلت: 48]. والمعنى: لم يخلقهما عبثاً ولا باطلاً. قال الفراء والزجاج في قوله تعالى: { إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } أي: إلا للحق، أي: لإقامة الحق، يعني: للثواب والعقاب. وقال الزمخشري: الباء في قوله: { إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } مثلها في قولك: دخلت عليه بثياب السفر، واشترى الفرس بسرجه ولجامه، يريد: اشتراه وهو ملتبس بالسرج واللجام، غير منفك عنهما. وكذلك المعنى: ما خلقهما إلا وهي ملتبسة بالحق مقترنة به. { وَأَجَلٍ مُّسَمًّى } أي: وتقرير أجل مسمى، وهو قيام الساعة. قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } هذا الاستفهام في معنى التقرير لسيرهم في البلاد ونظرهم في آثار الهالكين من الأمم المكذبة. ثم وصفهم فقال: { كَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ ٱلأَرْضَ } حرثوها وقلبوها للزراعة والغرس، ويقال لبقر الحَرْث: المُثِيرَة، ومنه: الثَّوْر؛ لإثارته الأرض. ويروى عن أبي جعفر: " وآثاروا الأرض " بالمد. وقال ابن مجاهد: ليس هذا بشيء. قال أبو الفتح: ظاهره لعمري منكر، إلا أن له وجهاً [مَّا، وليس] لحناً مقطوعاً به، وذلك أنه أراد: " وأثاروا " ، إلا أنه أشبع الفتحة من الهمزة، فأنشأ عنها ألفاً، وقد ذكرنا ذلك وشواهده، ونحوه:
.....................
ومِنْ ذَمِّ الرجالَ بمنتزاح
أراد: بمُنْتَزَح. وقد سبق إنشاد البيت. وهذا لعمري مما يختص به ضرورة الشعر، ولا يجوز في القرآن. قوله تعالى: { وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا } أي: وعمرها أولئك [المدمرون] أكثر مما عمرتها قريش؛ لشدة بطشهم وطول أعمارهم وآمالهم، وكثرة عُدَدهم وعَدَدِهم. ويجوز أن يكون الضمير المرفوع في " عَمَرُوها " في الموضعين للذين من قبلهم، على معنى: وعَمَرُوها أكثر مما عَمَّرُوا فيها، فيكون عَمَرَ وعَمَّرَ لغتين من البقاء، وهذا الوجه [ذكره] صاحب كشف المشكلات وإيضاح المعضلات. قوله تعالى: { ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ ٱلسُّوۤأَىٰ } قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: " عاقبةُ " بالرفع، ونصبها الباقون.