قوله تعالى: { قَوْمِ نُوحٍ }: بدلٌ أو عطفُ [بيانٍ]. قوله: { وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ } يجوز أن يكونَ عطفاً على الموصولِ الأولِ، او على المبدل منه، وأن يكونَ مبتدأً، خبرُه { لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ } ، و " جاءَتْهُم " خبر آخر. وعلى ما تقدَّم يكون " لا يعلمهم " حالاً من " الذين " ، أو من الضمير في { مِن بَعْدِهِمْ } لوقوعِه صلةً، وهذا عنى أبو البقاء بقوله: " حال من الضمير في { مِن بَعْدِهِمْ } ، ولا يُريد به الضميرَ المجرورَ، لأنَّ مذهبَه مَنْعُ الحالِ من المضاف إليه، وإن كان بعضُهم جَوَّزه في صورٍ. وجَوَّز أيضاً هو الزمخشري أن تكونَ استئنافاً. وقال الزمخشري: " والجملةُ مِنْ قولِه { لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ } اعتراضٌ. ورَدَّ عليه الشيخ بأنَّ الاعتراضَ إنما يكون بين جُزْأَيْن أحدهما يطلب الآخر، ولذلك لمَّا أَعْرَبَ الزمخشريُّ " والذين " مبتدأً و " لا يَعْلمهم " خبره، قال: " والجملةُ مِنَ المبتدأ والخبر اعتراضٌ ". واعترضه الشيخُ أيضاً بما تقدَّم. ويمكنُ أن يُجابَ عنه في الموضعين: بأنَّ الزمخشريَّ يمكن أن يعتقدَ أنَّ " جاءَتْهم " حالٌ مما تقدَّم، فيكون الاعتراضُ واقعاً بين الحالِ وصاحبِها، وهذا كلامٌ صحيح. قوله: { فَرَدُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فِيۤ أَفْوَاهِهِمْ } يجوز أن تكونَ الضمائرُ للكفَّارِ، أي: فَرَدَّ الكفارُ أيديَهم في أفواههم من الغيظ. و " في " على بابِها من الظرفية، أو فَرَدُّوا أيديَهم على أفواههم ضحكاً واستهزاءً. فـ " في " بمعنى على، أو أشاروا بأيديهم إلى ألسنتهم وما نطقوا به من قولِهم: إنَّا كَفَرْنا، فهي بمعنى إلى. ويجوز أن يكونَ المرفوعُ للكفار والآخران للرسل، على أن يُراد بالأيدي النِّعَم، أي: رَدُّوا نِعَمَ الرُّسُل وهي نصائحُهم في أفواهِ الرسل، لأنهم إذا كَذَّبوها كأنهم رَجَعوا بها من حيث جاءَتْ على سبيل المثل. [ويجوز أن يُراد هذا المعنى، والمرادُ بالأيدي الجوارح]. ويجوز أن يكون الأوَّلان للكفار، والأخيرُ للرسُل، أي: فَرَدَّ الكفارُ أيديَهم في أفواهِ الرسُل، أي: أطبِقُوا أفواهَكم، يشيرون إليهم بالسكوت، أو وَضَعُوها على أفواههم يمنعونهم بذلك من الكلامِ. وقيل: " في " هنا بمعنى الباء. قال الفراء: " قد وَجَدْنَا من العرب مَنْ يجعل " في " موضعَ الباء. يُقال: أَدْخَلَكَ بالجنَّة، وفي الجنَّة، وأنشَد:
2869- وأرغَبُ فيها عن لَقيطٍ ورَهْطِهِ
ولكنَّني عن سِنْبِسٍ لستُ أرغبُ
أي: أرغب بها. وقال أبو عبيدةَ: " هذا ضَرْبُ مَثَلٍ، تقول العرب: " رَدَّ يَدَه في فيه " ، إذا أمسكَ عن الجوابِ " ، وقاله الأخفش أيضاً. وقال القتيبي: " لم نسمعْ أحداً يقول: " رَدَّ يده في فيه " إذا تَرَكَ ما أُمِرَ به ". ورُدَّ عليه، فإنَّ مَنْ حَفِظَ حجةٌ على مَنْ يَحْفَظْ. وقرأ طلحة " تَدْعُونَّا " بإدغامِ نونِ الرفع في نون الضميرِ، كما تُدْغَم في نونِ الوقاية.