وقوله سبحانه: { ٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ }: هذه الآيات أمثالٌ منبِّهات على قدرة اللَّه تعالَى القاضِيَةِ بتجويزِ البَعْثِ، { وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ }: معناه: ما تنقُصُ، ثم ٱختلف المتأوِّلون في صُورَةِ الزِّيادة والنُّقْصَان، وجمهورُ المتأوِّلين على أنَّ غَيْضَ الرحِمِ وهو نقْصُ الدمِ على الحَمْل، وقال الضَّحَّاك: غَيْضُ الرَّحِمِ: أنْ تسقط المرأة الوَلَدَ، والزيادة أنْ تضعه لمدَّةٍ كاملةٍ، ونحوُه لقتادة. وقوله: { وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ }: عامٌّ في كل ما يدخلُهُ التقديرُ، و { ٱلْغَيْبِ }: ما غاب عن الإِدراكات، و { ٱلشَّهَـٰدَةِ }: ما شُوهِدَ من الأمور. وقوله: { ٱلْكَبِيرُ }: صفةُ تعظيمٍ، و { ٱلْمُتَعَالِ }: من العلو. وقوله سبحانه: { سَوَاءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ... } الآية: أيْ: لا يخفى على اللَّه شيءٌ، والـــ { سَارِبٌ }؛ في اللغة: المتصرِّف كيف شاء. وقوله سبحانه: { لَهُ مُعَقِّبَـٰتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ }: المعنى: جعل اللَّه للعبد معقِّباتٍ يحفظونه في كلِّ حالٍ من كلِّ ما جرى القَدَرُ بٱندفاعه، فإِذا جاء المَقْدُور الواقعُ، أسلم المَرْءُ إِليه، والـــ { مُعَقِّبَـٰتٌ }؛ على هذا التأويل: الحَفَظَةُ على العِبَادِ أَعمالهم، والحَفَظَةُ لهم أيضاً؛ قاله الحسن، وروى فيه عن عثمانَ بْنِ عَفَّان حديثاً عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهذا أقوى التأويلات في الآية، وعبارةُ البخاريِّ: { مُعَقِّبَـٰتٌ }: ملائكةٌ حَفَظَةٌ يَعْقُبُ الأَوَّلُ منها الآخِرَ. انتهى. وقالَتْ فرقةٌ: الضمير في «له» عائدٌ على ٱسمِ اللَّه المتقدِّم ذكره، أي: للَّه معقِّبات يحفظون عَبْده، والضمير في قوله: { يَدَيْهِ } وما بعده عن الضمائر عائدٌ على العَبْد، ثم ذكر سبحانه أنه لا يغيِّر هذه الحالة مِنَ الحفْظِ للعبدِ؛ حتَّى يغير العبد ما بنَفْسِهِ، والــ { مُعَقِّبَـٰتٌ }: الجماعاتُ التي يَعْقَب بعضُها بعضاً، وهي الملائكةُ، وينظر هذا إِلى قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: " يَتَعَاقَبُ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بالنَّهَارِ... " الحديث، وفي قراءة أُبيِّ بْنِ كَعْب: «مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَرَقِيبٌ مِنْ خَلْفِهِ»، وقرأ ابن عباس: «وَرُقَبَاءُ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ بِأَمْرِ اللَّهِ»، وقوله: { يَحْفَظُونَهُ }: أي: يحرسونه ويذبُّون عنه، ويحفظونَ أيضاً أعماله، ثم أخبر تعالى؛ أَنه إِذا أَراد بقومٍ سوءاً، فلا مردَّ له، ولا حِفْظَ منه.