{ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً } بالنهار { وَٱلْقَمَرَ نُوراً } بالليل. قال الكلبي: تضي وجوههما لأهل السموات السبع وظهورهما لأهل الأرضين السبع. [قرأ الأكثرون: ضياءً بهمزة واحدة] وروي عن ابن كثير: ضياء بهمزت الياء، ولا وجه لها لأن ياءه كانت واواً مفتوحة، وهي عين الفعل أصله ضواء فسكنت وجعلت ياءً كما جعلت في الصيام والقيام { وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ } أي قدر له بمعنى هيأ له وسوى له منازل لا يجاوزها ولا يقصر دونها. وقيل: جعل قدر مما يتعدى لمفعولين ولم يقل قدرهما، وقد ذكر الشمس والقمر وفيه وجهان: أحدهما أن يكون الهاء للقمر خاصة بالأهلة يعرف انقضاء الشهور والسنين لا بالشمس، والآخر أن يكون قد اكتفى بذكر أحدهما من الآخر،كما قال:{ وٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [التوبة: 62] وقد مضت هذه المسألة { لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ } دخولها وانقضائها { وَٱلْحِسَابَ } يعني وحساب الشهور والأيام والساعات { مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ } مثل ما في الفصل والخلق والتقدير، ولولا [وجود] الأعيان المذكور لقال: تلك { إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } لم يخلقه باطلا بل إظهاراً لصنعه ودلالة على قدرته وحكمته، ولتجزى كل نفس بما كسبت فهذا الحق { يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } يبيّنها { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }. قال ابن كثير وأبو عمرو، وحفص عن عاصم: { يُفَصِّلُ } بالياء، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لقوله قبله { مَا خَلَقَ ٱللَّهُ } وبعده { مَا خَلَقَ ٱللَّهُ } فيكون متبعاً له، وقرأ ابن السميقع بضم الياء وفتح الصاد ورفع التاء من الآيات على مجهول الفعل، وقرأ الباقون بالنون على التعظيم. { إِنَّ فِي ٱخْتِلاَفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُون } يوقنون فيعلمون ويقرّون. قال ابن عباس: قال أهل مكة: آتينا بآية حتى نؤمن بك فأنزل الله تعالى هذه الآية. { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } يعني لا يخافون عقابنا ولا يرجون ثوابنا، والرجاء يكون بمعنى الهلع والخوف { وَرَضُواْ بِٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا } فاختاروها داراً لهم { وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا } وسكنوا إليها. قال قتادة في هذه الآية: إذا شئت رأيت صاحب دنيا لها يفرح ولها يحزن ولها يرضى ولها يسخط. { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا } أدلتنا { غَافِلُونَ } لا يعتبرون. قال ابن عباس { عَنْ آيَاتِنَا } محمد والقرآن غافلون معرضون تاركون مكذبون { أُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } من الكفر والتكذيب { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ } فيه إضمار واختصار أي يهديهم ربهم بإيمانهم إلى مكان { تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ } قال أبو روق: يهديهم ربهم بإيمانهم إلى الجنة، قال عطية: يهديهم ويثيبهم ويجزيهم، وقيل ينجيهم. مجاهد ومقاتل: يهديهم بالنور على الصراط إلى الجنة يجعل لهم نوراً يمشون به. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن المؤمن إذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة [حسنة وبشارة حسنة] فيقول له. من أنت فو الله أني لأراك أمرء صدق؟ فيقول له: أنا عملك، فيكون له نوراً وقائداً إلى الجنة، والكافر إذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة سيئة وريح منتنة فيقول: من أنت فوالله إني لأراك امرء سوء؟ فيقول: أنا عملك فينطلق به حتى يدخله النار. "