الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَىٰ هَـٰؤُلآءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ }

{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا } نبيًّا يشهد، وإن من أمة إلا خلا فيها نذير نبى أو صالح فيهم، أو نبى وصالح معاً، ولا بد فى كل عصر من قائم على أهل عصره يكون صالحا حجة، ولا تخلو منه أمة يشهد هو لهم، وتشهد لهم أمته، ويزكى أمته، فإن دخل صلى الله عليه وسلم فى قوله: { ويوم نبعث } إلخ بلا بأس بذكره هنا شهيداً على غير أمته من الأنبياء، وجاز إرادة أمته فى الموصمين، ولا تكرار، ولأن الشهادة الأخيرة تزكية لهم، إذ شهدوا على الأنبياء وأممهم، وكذلك جعلناكم أمة وسطا إلخ.

ولفظ على فى الخير والشر، والشاهد علو فى الجملة، أو لوجه ما، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يشهد على مَن يأتى من أمته إلى قيام الساعة، ومنه صلى الله عليه وسلم: " حياتى خير لكم تحدثون ويحدث لكم ومماتى خير لكم تعرض علىَّ أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله تعالى عليه، وما رأيت من شر استغفرت الله تعالى لكم وتعرض على القرابة " قال صلى الله عليه وسلم: " لا تفضحوا موتاكم بسيئات أعمالكم فإنها تعرض على أوليائكم من أهل القبور " رواه ابن أبى الدنيا عن أبى هريرة.

وقال صلى الله عليه وسلم: " إنَّ أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات فإن كان خيرا استبشروا وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا " رواه أحمد عن أنس، وروى داود مثله عن جابر، وزاد: وألهمهم أن يعملوا بطاعتك.

وقال صلى الله عليه وسلم: " أعمالكم تعرض على موتاكم فيسرون ويساءون " رواه ابن أبى الدنيا عن أبى الدرداء، فكان أبو الدرداء يقول: اللهم إنى أعوذ بك أن يمقتنى خالى عبد الله بن رواحة إِذا رأيته يقول ذلك فى سجوده.

{ عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } بعطف يوم نبعث من كل أمة على يوم نبعث السابق، ويقدِر ما قدر فيه لبُعده، والأول يشمل الشهادة للأمم وعليها، كما مرّ، وهذا فى الشهادة عليها فقط لزيادة الزجر، وهذا التأسيس أولى من أن يقال: هذا تفسير للسابق، أو أن يقال: الشهادة عليهم بمعنى الإخبار عنهم إسلاما وكفرا، والأصل عدم التفسير، والأصل أن على للضرر، ومن أنفسهم من جنسهم أولاد من المعاشر لهم اللائق، ولو فسر بالنسب لأشكل بلوط وشعيب، إذ ليس هما من نسب أقومهما، إلا أن يحمل على النسب تحقيقا أو حكما، فإنهما من النسب حكما لعشرتهما لهم، أو من يكون نسبهم مثلهما شهد فى مقامه صالح من نسبهم، أو يعتبر الغالب.

{ وَجِئْنَا بِكَ } يا محمَّد { شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاَءِ } أمتك فى إنزال هذا عليها زجر عظيم إلى آخرها، ويجوز أن يفسره هؤلاء شهداء الأمم، وهم أنبياؤه فهو شهيد على الأنبياء، وذلك لعلمه بعقائدهم، واستجماع شرعه لقواعدهم، ولأنه مرسل إلى الأنبياء وأممهم، فالأنبياء كآحاد أمته، ولا مانع من هذا، ولو جاء الحديث بأن هذه الأمة تشهد للأنبياء بالتبليغ، ولا مانع من تكرير الشهادة، والنبى صلى الله عليه وسلم يزكى أمته، وقوله تعالى:

السابقالتالي
2