{ ويوم ينفخ في الصور } النفخة الأولى نفخة الإماتة في القيامة الصغرى { ففزع مَنْ في السموات ومن في الأرض } من العقلاء المجرّدين والجهال والجهار البدنيين، أو من القوى الروحانية والجسمانية { إلا من شاء الله } من الموحدين الفانين في الله، والشهداء القائمين بالله { وكل أتوه } إلى المحشر للبعث، صاغرين، أذلاء، لا قدرة لهم ولا اختيار، أو أتوه منقادين قابلين لحكمه بالموت. { وترى } جبال الأبدان { تحسبها جامدة } ثابتة في مكانها { وهي تمرّ } وتذهب وتتلاشى بالتحليل كالسحاب لتجتمع أجزاؤها عند البعث في اليوم الطويل { صنع الله } أي: صنع هذا النفخ والإماتة والإحياء لمجازاة العباد بالأعمال صنعاً متقناً يليق به { إنه خبير بما تفعلون } { من جاء بالحسنة } أي: بمحو صفة من صفات نفسه بالتوبة إلى الله عنها من قيام صفة إلهية مقامها. { ومن جاء بالسيئة } باحتجابه بصفة من صفات نفسه { فكبت وجوههم } بتنكيس بنائهم لشدّة ميلهم إلى الجهة السفلية في نار الطبيعة { هل تجزون } إلا بصور أعمالكم وجعل هيئاتها صوركم. { إنما أُمِرت أن } لا ألتفت إلى غير الحق و { أعبد ربّ هذه البلدة } أي: القلب { الذي حرّمها } حماها عن استيلاء صفات النفس ومنعها من دخول أهل الرجس وآمنها وآمن من فيها لئلا ينكبّ وجهي في نار الطبيعة { وله كل شيء } أي: تحت ملكوته وربوبيته يعطي عابده ما شاء أن يعطيه ويمنعه ما شاء أن يمنعه ويدفع من غالبه { وأمرت أن أكون من المسلمين } الذين أسلموا وجوههم بالفناء فيه { وأن أتلو القرآن } أفضل الكمالات المجموعة في إبرازها وإخراجها إلى الفعل في مقام البقاء { وقل الحمد لله } بالاتّصاف بصفاته الحميدة { سيريكم } صفاته في مقام القلب { فتعرفونها } أو آيات أفعاله وآثارها بالقهر في مقام النفس فتعرفونها عند التعذب بها أو { يوم ينفخ في الصور } بتجلي الذات في القيامة الكبرى، { ففزع من في السماوات ومن في الأرض } بصعقة الفناء والقهر الكليّ إلا من شاء الله من أهل البقاء الذين أحيوا لحياته وأفاقوا بعد صعقة الفناء به{ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ } [النمل، الآية: 87] ساقطين عن درجة الحياة والوجود، مقهورين. وترى جبال الوجودات تحسبها جامدة ثابتة على حالها ظاهراً وهي تمرّ مرّ السحاب في الحقيقة زائلة.