الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَٱجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

يجوز أن يكون عطفاً على جملةوقال موسى يا قوم } يونس 84، ويجوز أن يكون عطفَ قصة على قصة، أي على مجموع الكلام السابق، لأن مجموعه قصص هي حكاية أطوار لقصة موسى وقومه. ووقع الوحي بهذا الأمر إلى موسى وهارون ـ عليهما السلام ـ لأنه من الأعمال الراجعة إلى تدبير أمر الأمة، فيمكن الاشتراك فيها بين الرسول ومُؤَازره. والتبَوُّؤ اتخاذ مكان يسكنه، وهو تفعل من البَوْء، أي الرجوع، كأنّ صاحب المسكن يُكلف نفسه الرجوع إلى محل سَكنه ولو كان تباعد عنه في شؤون اكتسابه بالسير إلى السوق أو الصيد أو الاحتطاب أو قطف الثمار أو نحو ذلك، وتقدم عند قوله تعالىتُبَوّىء المؤمنين مَقاعد للقتال } في آل عمران 121. فمعنى تَبَوّءا لقومكما } اجعلا قومكما متبوئينَ بيوتاً. وفاعل هذا الفعل في الأصل هو الساكن بالمباءة، وإنما أسند هنا إلى ضمير موسى وهارون ـ عليهما السلام ـ على طريقة المجاز العقلي، إذ كانا سبب تَبَوّؤ قومهما للبيوت. والقرينة قوله { لقومكما } إذ جعل التبوؤ لأجل القوم. ومعنى تبوؤ البيوت لقومهما أن يأمرا قومهما باتخاذ البيوت على الوصف الذي يأمرانهم به. وإذ قد كان لبني إسرائيل ديار في مصر من قبل، إذ لا يكونون قاطنين مصر بدون مساكن، وقد كانوا ساكنين أرض جَاسان قرب مدينة منفيس قاعدة المملكة يومئذٍ في جنوب البلاد المصرية، كما بيناه في سورة البقرة، لا جرم أن تكون البيوت المأمور بتبوئها غير البيوت التي كانوا ساكنيها. واضطرب المفسرون في المراد من هذه البيوت وذكروا روايات غير ملائمة لحالة القوم يومئذٍ. فقيل أريد بالبيوت بيوت العبادة أي مساجد يصلون فيها، وربما حمل على هذا التفسير من تأوّله وقوعُ قوله { وأقيموا الصلاة } عقبه. وهذا بعيد لأن الله علم أن بني إسرائيل مفارقون مصر قريباً بإذنه. وقيل البيوت بيوت السكنى وأمسكوا عن المقصود من هذه البيوت. وهذا القول هو المناسب للتبوؤ لأن التبوؤ السكنى، والمناسب أيضاً لإطلاق البيوت، وكونها بمصر. فالذي يظهر بناء عليه أن هذه البيوت خيام أو أخصاص أمرهم الله باتخاذها تهيئة للارتحال وهي غير ديارهم التي كانوا يسكنونها في جاسان قرب مدينة فرعون وقد جاء في التوراة ما يشهد بهذا التأويل في الفصل الرابع من سفر الخروج إن الله أمر موسى أن يخرج ببني إسرائيل إلى البادية ليعملوا عيد الفصح ثلاثة أيام وأن ذلك أولُ ما سأله موسى من فرعون، وأن فرعون منعهم من ذلك، وأن موسى كرر طلب ذلك من فرعون كلّ ذلك يمنعه كما في الفصل السابع والفصل الثامن من سفر الخروج، وقد صار لهم ذلك عيداً بعد خروجهم. وقوله { واجعلوا بيوتكم قبلة } أي هذه الخيام أو الأخصاص التي تتخذونها تجعلونها مفتوحة إلى القبلة.

السابقالتالي
2