وقوله: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ } [أي لا يخرج بعضكم بعضاً] { ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ } [أن هذا حق] { ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاَءِ } [قيل أراد يا هؤلاء] { تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم } [أي تعاونون عليهم] { بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [يعني الظلم] { وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ }.
قال الحسن: فنكثوا فجعل يقتل بعضهم بعضاً ويخرج بعضهم بعضاً من ديارهم يظاهرون عليهم بالإِثم والعدوان، وإن أسِر من أصحابهم أحد فادوهم.
وكان ذلك الفداء مفروضاً عليهم، فاختلفت أحكامهم، فقال الله: { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ } أي الفداء { وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } أي القتل والإِخراج من الدور.
قوله: { فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا } قال الكلبي: الخزي النفي والقتل. فقتلت قريظة ونفيت النضير، أخزاهم الله بما صنعوا. وقال الحسن: الخزي الجزية.
قال الله: { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } يعنيهم. وهي تقرأ على ثلاثة أوجه: بالتاء جميعاً: تُرَدُّون وتعملون، والوجه الآخر بالياء؛ يقول للنبي: يُرَدُّونَ ويَعْمَلُونَ. والوجه الثالث يقوله لهم: فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌّ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ جَميعاً.
قوله: { أُوْلَئِكَ الَّذينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ } قال بعضهم: استحبّوا الحياة الدنيا على الآخرة؛ استحبوا قليل الدنيا، لأن ما فيها ذاهب، على كثير الآخرة الباقي. قال الحسن: اختاروا الحياة الدنيا على الآخرة.
قال: { فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } أي ليس لهم ناصر ينصرهم من عذاب الله.