{ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ ٱلْمَلاَئِكَةُ كُـلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ ٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ * قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } وفي تحقيق الله سبحانه وتعالى التنشئة في اليد، دليل على أنه ليس بمعنى النعمة والقوة والقدرة، إنما هما وصفان من صفات ذاته. قال مجاهد: اليد هاهنا بمعنى التأكيد، والصلة مجاز لما خلقت، كقوله سبحانه: { وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ } أي ربك، وهذا تأويل غير قوي، لأنه لو كان بمعنى الصلة فكان لإبليس أن يقول: إن كنت خلقته فقد خلقتني. وكذلك في القدرة والنعمة، لاتكون لآدم في الخلق مزية على إبليس وقد مضت هذه المسألة عند قوله: { مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ }. قال: العرب تسمي الاثنين جميعاً لقوله سبحانه{ هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ } [الحج: 19]، وقوله{ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [النور: 2] قال: هما رجلان وقال:{ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } [التحريم: 4]. { أَسْتَكْبَرْتَ } ألف الاستفهام تدخل على ألف الخبر { أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ } المتكبرين على السجود كقوله سبحانه:{ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } [القصص: 4]. { قَالَ } إبليس { أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ * قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا } أي من الجنّة. وقيل: من السماوات. وقال الحسن وأبو العالية: أيّ من الخلقه التي أنت فيها. قال الحسين بن الفضل: وهذا تأويل صحيح، لأن ابليس تجبّر وافتخر بالخلقة،فغيّر الله تعالى خلقه فاسودَّ بعدما كان أبيضاً وقبح بعدما كان حسناً وأظلم بعد أن كان نورانياً. { فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } مطرود معذّب { وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِيۤ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ * قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِيۤ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ * إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } وهو النفخة الأولى { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ * قَالَ فَٱلْحَقُّ وَٱلْحَقَّ أَقُولُ }. قرأ مجاهد والأعمش وعاصم وحمزة وخلف: برفع الأول ونصب الثانية على معنى فأنا الحقّ أو فمنّي الحق، وأقول الحق. وقال الباقون: بنصبهما. واختلف النحاة في وجهيهما، قيل: نصب الأول على الإغراء والثاني بايقاع القول عليه. وقيل: هو الأول قسم، والثاني مفعول مجاز قال: فبالحق وهو الله عزّ وجلّ أقسم بنفسه والحق أقول. وقيل: إنه أتبع قسماً بعد قسم. وقال الفراء وأبو عبيد: معناهما حققا لم يدخل الألف واللام، كما يقال: الحمد لله وأحمد الله، هما بمعنى واحد. وقرأ طلحة بن مصرف: فالحق والحق بالكسر فهما على القسم. وسمعت أبا القاسم بن حبيب يقول: سمعت أبا بكر بن عبدش يقول: هو مردود إلى ماقبله ومجازه: فبعزتك وبالحق والحق قال الله سبحانه: { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ } أيّ من نفسك وذريتك { وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ * قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ } أيّ على تبليغ الوحي، كناية عن غير مذكور { مِنْ أَجْرٍ } قال الحسين بن الفضل: هذه الآية ناسخة لقوله