قوله تعالى: { حـمۤ * وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } إلى قوله { وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ } قد تقدم ذكر حم. وقوله: { وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ }: قسم، أي: المبين لمن تديره وفكر في عبره وعظاته. ثم قال تعالى: { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً } ، أي: أنزلناه بلسان العرب إذ كنتم أيها المنذرون به من العرب. " وجعلناه " هنا، يتعدى إلى مفعولين، " فالهاء " الأول، " وقرآنا " الثاني. وهذا مما يدل على نقض قول أهل البدع: إنه بمعنى خلقنا. إذ لو كان بمعنى خلقنا؟ لم يتعد إلا إلى مفعول واحد. ومثله قوله تعالى:{ ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلْقُرْآنَ عِضِينَ } [الحجر: 91]، فلو كان بمعنى " خلق " لصار المعنى أنهم خلقوا القرآن، وهذا محال. ولم يُلْقِهِم في هذا الخطأ العظيم، والجهل الظاهر إلا قلّة علمهم بتصاريف اللغات وضعفهم في معرفة الإعراب. وقوله: { لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } ، معناه: أنزلنا القرآن بلسانكم لتعقلوا معانيه ومواعظَه، ولم ننزله بلسان العجم فتقولوا نحن عَرَبٌ، وهذا كلام لا نفقه معانيَه. قال قتادة: " والكتاب المبين: مبين - والله - بركته وهداه ورشده ". وقيل: المبين، أي: أبان الهدى من الضلالة، والحق من الباطل. ثم قال تعالى: { وَإِنَّهُ فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } ، أي: وإن القرآن في أم الكتاب، يعني: اللوح المحفوظ: وأم الكتاب: أصله. فالقرآن مثبت عند الله جل وعز في اللوح المحفوظ، ومن اللوح المحفوظ نُسِخَ. وقوله: { لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } ، أي: عندنا لذو علو ورفعة وقيل معنى " عَلِيٌّ ": قاهر لا يقدر أحد أن يدفعه ويبطله، معجز لا يؤتى بمثله، حكيم أحكمت آياته ثم فصلت، فهو ذو حكمة. وقيل: حكيم، أي: محكم في أحكامه ووصفه. قال ابن عباس: " أو لما خلق الله عز وجل القلم: أمره أن يكتب ما يريد أن يخلق. قال: فالكتاب عنده. روى مالك عن (عمران عن) عكرمة أنه قال " أم الكتاب القرآن ". ثم قال تعالى: { أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً } " صفحاً " مصدر، كأنه قال: أفنصفح عنكم صفحاً. وقيل: هو مصدر في موضع الحال، كأنه قال: أفنضرب عنكم الذكر صافحين. كما تقول: جاء زيد مشياً، أي: ماشياً. ويجوز أن يكون صفحا بمعنى: ذو صفح، كما تقول: رجل عدل (ورضى أي: عادل وراضٍ)، وذو عدل وذو رضى. يقال: أضربت عنك بمعنى: أعرضت عنك وتركتك. والمعنى: أفنعرض عنكم أيها الناس ونترككم سدى لا نذكركم بعقابنا من أجل أنكم قوم مشركون. قال مجاهد: معناه، أفتكذبون بالقرآن ولا تعاقبون. وقال السدي: معناه: " أفنضرب عنكم العذاب ". وقال ابن عباس: معناه: " أحسبتم أن نصفح عنكم ولما تفعلوا ما أمرتم به ".