قرأ حمزة وحده { لا تخف دركاً } على النهي، أو على الجزاء لقوله { فاضرب لهم طريقاً } الباقون { لا تخاف } بالرفع { ولا تخشى } بألف بلا خلاف على الاستئناف. ومثله قوله { يولوكم الادبار ثم لا ينصرون }. وقيل انه يحتمل ان يكون { لا تخش } مجزوماً، وزيد الالف ليوافق رؤس الآي كما، قال الشاعر:
الم يأتيك والأبناء تنمي
بما لاقت لبون بني زياد
ومن قرأ { لا تخاف } بالرفع، و { لا تخشى } مثله، فهو على الخبر. وقال ابو علي: هو في موضع نصب على الحال، وتقديره طريقاً في البحر يبساً غير خائف دركاً. وقرأ حمزة والكسائي { أنجيتكم، ووعدتكم } بالتاء فيهما بغير الف. الباقون بالالف والنون. وقرأ ابو عمرو وحده { ووعدناكم } بغير الف. الباقون { وواعدناكم } بالف. ولم يختلفوا فى { نزلنا } انه بالنون. ومعنى التاء والنون قريب بعضه من بعض، لكن النون لعظم حال المتكلم. لما اخبر الله تعالى ان لمن آمن بالله الدرجات العلى، قال ولهم { جنات عدن } اي بساتين إقامة { تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها } وقد فسرناه في غير موضع. ثم قال { وذلك } الذي وصفه { جزاء من تزكى } فالتزكي طلب الزكا بارادة الطاعة، والعمل بها. والزكا النماء فى الخبر، ومنه الزكاة، لان الميل ينمو بها فى العاجل والاجل، لما لصاحبها عليها من ثواب الله تعالى. وقيل: معنى { تزكى } تطهر من الذنوب بالطاعة بدلا من تدنيسها بالمعصية. والخلود المكث فى الشيء الى غير غاية. ثم أخبر تعالى فقال { ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي } أي سر بهم ليلا لأن الاسراء السير بالليل { فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً } والمعنى: اضرب بعصاك البحر تجعل طريقاً، فكأنه قيل: اجعل طريقاً بالضرب بالعصا، فعداه الى الطريق لما دخله هذا المعنى فكأنه قد ضرب الطريق، كضربه الدينار. واليبس اليابس وجمعه ايباس، وجمع اليبس - بسكون الباء - يبوس. وقال ابو عبيدة: اليبس - بفتح الباء - المكان الجاف. واذا كان اليبس فى نبات الارض فهو اليبس - بسكون الباء - قال علقمة بن عبده:
تخشخش أبدان الحديد عليهم
كما خشخشت يبس الحصاد جنوب
وقوله { لا تخاف دركا ولا تخشى } معناه لا تخف أن يدركك فرعون، ولا تخش الغرق من البحر - في قول ابن عباس وقتادة - وقيل: معناه لا تخف لحوقاً من عدوك، ولا تخش الغرق من البحر الذي انفرج عنك. والمعنيان متقاربان. وكان سبب ذلك أن اصحاب موسى قالوا له: هذا فرعون قد لحقنا، وهذا البحر قد غشينا يعنون اليم، فقال الله تعالى { لا تخف دركا ولا تخش }. ثم اخبر تعالى فقال { فأتبعهم فرعون بجنوده } أي دخل خلف موسى وبني إسرائيل، وفى الكلام حذف لأن تقديره: فدخل موسى وقومه البحر ثم أتبعهم فرعون بجنوده ومن اتبعهم.