ثم لما امتنع إبليس عن إطاعته وتعظيمه مع ورود الأمر الوجوبي من قبل الحق { قَالَ } معاتباً عليه منادياً له سائلاً عن سبب امتناعه: { يٰإِبْلِيسُ } المستكبر المتخلف عن أمرنا { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ } أي: أي شيء منعك عن سجود التكريم { لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } وصورته بقدرتي، وبمقتضى صورتي، وبكمال حولي وقوتي؛ ليكون مرآتي ويليق بخلتي وخلافتي { أَسْتَكْبَرْتَ } عن طاعة حكمنا وامتثال أمرنا { أَمْ كُنتَ } احتسبت نفسك { مِنَ ٱلْعَالِينَ } [ص: 75] المتفوقين عليه، بحيث لا يجوّز لنفسك أن تتذلل عنده وتنقاد له؟. وبعدما سمع اللعين منه سبحانه الخطاب المشتمل على أنواع العتاب { قَالَ } اللعين بعدما اختار الشق الثاني من الترديد: { أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ } صورة ومادة؛ إذ { خَلَقْتَنِي } بكمال قدرتك { مِن نَّارٍ } هي أعلى العناصر وأرفعها قدراً وإمكاناً { وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } [ص:76] هي أسفل العناصر وأرذلها قدراً وأدناها مكاناً، والأمر بسجود الأفضل الأعلى للأرذل الأدنى غير موافق ومطابق لحكمتك المتقنة. ثم لما خرج إبليس عن ربقة الإطاعة التعبدية، وأتى بالحجة الإقناعية الجدلية { قَالَ } سبحانه مغاضباً عليه من كمال غيرته وقهره: أنَّى يطيق أحد من مظاهره ومصنوعاته أن يخالف أمره ويحتج عليه؟ { فَٱخْرُجْ مِنْهَا } أي: من مرتبة الملكية وأعلى مرتبة العبودية { فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } [ص: 77] مرجوم مطرود عن سعة رحمتنا، وشرف عز حضرتنا، { وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِيۤ } أي: طردي وتبعيدي عن ساحة عز قربتي، مستمرة عليك { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ } [ص: 78] وبعد ذلك عذابك مؤبد أبدَ الآبدين. ثم لما قنط إبليس عن روح الله وسعة رحمته { قَالَ } بعدما آيس مناجياً: { رَبِّ } يا من رباني على فطرة الإطاعة، فعصيت أمرك بشؤم عُجبي ونخوتي { فَأَنظِرْنِيۤ } وأمهل علي، بعدما بعدتني عن كنف قربك وجوارك، وطردتني عن محل كرامتك وجودك { إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [ص: 79]. { قَالَ } سبحانه: { فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ * إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } [ص: 80-81] وهو النفخة الأولى.