قوله تعالى: { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } قال الزجاج وأكثر المفسرين واللغويين: معناه: فأقسم بمواقع النجوم، فـ " لا " مزيدة مؤكدة، كقوله:{ لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ } [الحديد: 29]. وقيل: إن " لا " على أصلها، فهي ناهية، بمعنى: لا تكفروا ولا تجحدوا ما ذكرت من نعمي، ولا تنكروا قدرتي، أو نافية لما يقوله الكفار في القرآن. وقرأ الحسن: " فَلأُقْسِمُ " على معنى: فلأنا أقسم. قال مجاهد: " مواقع النجوم ": مطالعها ومساقطها. وقال الحسن: انتثارها وانكدارها يوم القيامة. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس: أنها نجوم القرآن؛ لأنه كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم نجوماً شيئاً بعد شيء. قال الزجاج: ودليل هذا القول: { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ }. وقرأ حمزة والكسائي: " بمَوْقِعِ " على التوحيد وإرادة الجنس. وقال المبرد: هو مصدر، يصلح للواحد والجمع. ثم استعظم سبحانه وتعالى القَسَم بمواقع النجوم تفخيماً لشأنه، وتنبيهاً على عظيم قدرته فيه وحكمته فقال: { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ }. وهاهنا اعتراضان: أحدهما: بين القَسَم والمُقْسَم عليه، وهو قوله: { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ... } إلى آخر الآية. الثاني: بين الموصوف وصفته، وهو قوله: { لَّوْ تَعْلَمُونَ }. { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } على الله، عظيم النفع للناس؛ لما اشتمل عليه من الأحكام والحكم. { فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } قال ابن عباس: هو اللوح المحفوظ. فالمعنى بكونه مكنوناً على هذا القول: صيانته عن غير الملائكة المقربين الذين أذن الله لهم في الأخذ منه والنظر فيه. وقال مجاهد وقتادة: هو المصحف. فالمعنى على هذا القول بكونه مكنوناً: صيانته عن الباطل، وحفظه عنه. وقال عكرمة: المراد بالكتاب: التوراة والإنجيل. وقال السدي: الزبور. على معنى: أنّ ذِكْر القرآن ومن ينزل عليه القرآن في الكتب المتقدمة. قوله تعالى: { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } الضمير يعود إلى " الكتاب ". فإن قلنا: هو اللوح المحفوظ؛ فالمطهرون: الملائكة. وإن قلنا: هو المصحف أو غيره من الكتب المنزلة: فيكون النفي في معنى النهي، على معنى: لا ينبغي أن يمسه إلا المطهرون من الأحداث. وهذا قول قتادة. ويؤيده ما أخرج مالك في الموطأ: أن في الكتاب الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: " أن لا يمس القرآن إلا طاهر ". وقال ابن السائب: المطهرون من الشرك. وقال الربيع بن أنس: المطهرون من الذنوب والخطايا. وقيل: إن هذا إخبارٌ من الله تعالى بأنه لا يجد طعم القرآن ونفعه إلا من آمن به. حكاه الفراء. قوله تعالى: { تَنزِيلٌ } صفة رابعة " للقرآن " ، أو خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هو تنزيل { مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ }.