قوله تعالى: { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ }. أي: من دون تلك الجنتين المتقدمتين جنَّتان في المنزلة وحسن المنظر، وهذا على الظاهر من أن الأوليين أفضل من الأخريين، وقيل: بالعكس، ورجحه الزمخشري. وقال: قوله: { مُدْهَآمَّتَانِ } مع قوله في الأوليين:{ ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ } [الرحمن: 48] يدل على أن مرتبة هاتين دونهما، وكذلك قوله في الأوليين:{ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ } [الرحمن: 50] مع قوله في هاتين: { فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ }؛ لأن النضخ دون الجري، وقوله في الأوليين:{ فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ } [الرحمن: 52] مع قوله في هاتين: { فِيهِمَا فَاكِهَةٌ } ، وقوله في الأوليين:{ فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } [الرحمن: 54] حيث ترك ذكر الظهائر لعلوها ورفعتها، وعدم إدراك العقول إياها، مع قوله في هاتين: " رفرفٍ خُضرٍ " دليل عليه. وقال القرطبي: لما وصف الجنتين أشار إلى الفرق بينهما، فقال في الأوليين:{ فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ } [الرحمن: 52] وفي الأخريين: { فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } ولم يقل: من كل فاكهة. وقال في الأوليين:{ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } [الرحمن: 54] وهو الدِّيباج. وفي الأخريين: { مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ } [الرحمن: 76] و " العَبْقَرِي ": الوشْي، والديباج أعلى من الوشي. والرفرف: كسرُ الخباء، والفرش المعدة للاتِّكاء عليها أفضل من كسر الخباء. وقال في الأوليين في صفة الحور:{ كَأَنَّهُنَّ ٱلْيَاقُوتُ وَٱلْمَرْجَانُ } [الرحمن: 58]. وفي الأخريين: { فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ } ، وليس كل حسن كحسن الياقوت والمرجان. وقال في الأوليين:{ ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ } [الرحمن: 48]. وفي الأخريين: { مُدْهَآمَّتَانِ } أي: خضراوان كأنهما من شدة خضرتهما سوداوان، وفي هذا كله بيان لتفاوت ما بينهما. قال ابن الخطيب: ويمكن أن يجاب الزمخشري بأن الجنتين اللتين من دونهما لذريتهم التي ألحقهم الله - تعالى - بهم ولأتباعهم لا لهم، وإنما جعلها لهم إنعاماً عليهم، أي: هاتان الأخريان لكم، أسكنوا فيهما من تريدون. وقيل: إن المراد بقوله: { وَمِن دُونِهِمَا } أي: دونهما في المكان، كأنهم في جنتين، ويطلعون من فوق على جنتين أخريين، بدليل قوله تعال:{ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [الزمر: 20]. وقال ابن عباس: ومن دونهما في الدّرج. وقال ابن زيد: ومن دونهما في الفضل. وقال ابن عباس: والجنات لمن خاف مقام ربه، فيكون في الأوليين: النخل والشجر وفي الأخريين: الزرع والنبات. وقيل: المراد من قوله: { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } لأتباعه لقصور منزلتهم عن منزلة أحدهما للحور العين، والأخرى للولدان المخلدون ليتميز بها الذكور من الإناث. وقال ابن جريج: هي أربع جناتٍ منها للسابقين المقربين فيها من كل فاكهة زوجان، وعينان تجريان، وجنات لأصحاب اليمين فيها فاكهة ونخل ورمان. وقال أبو موسى الأشعري: جنتان منها للسَّابقين، وجنتان من فضَّة للتابعين. وقال عليه الصلاة والسلام: " جَنَّتانِ من فضَّةٍ، آنيتُهمَا وما فيهمَا، وجنَّتانِ مِنْ ذهبٍ آنيتُهُمَا وما فِيهَما، وما بَيْنَ القَوْمِ وبيْنَ أن يَنْظرُوا إلى ربِّهِمْ إلاَّ رِدَاءُ الكِبرياءِ على وجْهِهِ في جنَّة عدْنٍ ".