الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهْتَدَواْ هُدًى وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً }

{ وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهْتَدَواْ هُدًى } كلام مستأنف سيق لبيان حال المهتدين إثر بيان حال الضالين كما اختاره أبو السعود، واختار الزمخشري وتبعه أبو البقاء أنه عطف على موضعفَلْيَمْدُدْ } [مريم: 75] الخ ولم يجوزه أبو حيان سواء كان { فَلْيَمْدُدْ } دعاء أو خبراً في صورة الطلب لأنه في موضع الخبر إن كانت من موصولة، وفي موضع الجزاء أن كانت شرطية وموضع المعطوف موضع المعطوف عليه والجملة التي جعلت معطوفة خالية من ضمير يربط الخبر بالمبتدأ والجواب بالشرط، وقيل عليه أيضاً: إن العطف غير مناسب من جهة المعنى كما أنه غير مناسب من جهة الإعراب إذ لا يتجه أن يقال: من كان في الضلالة يزيد الله الذي اهتدوا هدى. وأجيب عن هذا بأن المعنى من كان في الضلالة زيد في ضلالته وزيد في هداية أعدائه لأنه مما يغيظه وعما سبق بأن من شرطية لا موصولة. واشتراط ضمير يعود من الجزاء على اسم الشرط غير الظرف ممنوع وهو غير متفق عليه عند النحاة كما في «الدر المصون» مع أنه مقدر كما سمعت ولا يخفى أن هذا العطف لا يخلو عن تكلف، واختار البيضاوي أنه عطف على مجموع قوله تعالى:مَن كَانَ فِى ٱلضَّلَـٰلَةِ فَلْيَمْدُدْ } [مريم: 75] الخ ليتم التقابل فإنه صلى الله عليه وسلم أمر أن يجيبهم عن قولهم للمؤمنينأَىُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ } [مريم: 73] الخ فليأت بذكر القسمين أصالة. قال الطيبـي: فكأنه قيل: قل من كان في الضلالة من الفريقين فليمهله الله تعالى وينفس في مدة حياته ليزيد في الغي ويجمع الله تعالى له عذاب الدارين ومن كان في الهداية منهما يزيد الله تعالى هدايته فيجمع سبحانه له خير الدارين. وهذا الجواب من الأسلوب الحكيم وفيه معنى قول حسان:
أتهجوه ولست له بكفء   فشركما لخير كما فداء
في الدعاء والاحتراز عن المواجهة، وفي «الكشف» أن هذا أولى مما اختاره الزمخشري.

{ وَٱلْبَـٰقِيَاتُ ٱلصَّـٰلِحَاتُ } قد تقدمت الأقوال المأثورة في تفسيرها، واختير أنها الطاعات التي تبقى فوائدها وتدوم عوائدها لعمومه وكلها { خَيْرٌ عِندَ رَبّكَ ثَوَابًا } بمعناه المتعارف، وقيل: عائدة مما متع به الكفرة من النعم المخدجة الفنية التي يفتخرون بها { وَخَيْرٌ } من ذلك أيضاً { مَّرَدّاً } أي مرجعاً وعاقبة لأن عاقبتها المسرة الأبدية والنعيم المقيم وعاقبة ذلك الحسرة السرمدية والعذاب الأليم. وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم من اللطف والتشريف ما لا يخفى. وتكرير الخير لمزيد الاعتناء ببيان الخيرية وتأكيد لها. وفي الآية على ما ذكره الزمخشري ضرب من التهكم بالكفرة حيث أشارت إلى تسمية جزائهم ثواباً والمفاضلة على ما قال على طريقة ـ الصيف أحر من الشتاء ـ أي أبلغ في حره من الشتاء في برده وليست على التهكم لأنك لو قلت: النار خير من الزمهرير أو بالعكس تهكماً كان التهكم على بابه في المفضل والمفضل عليه وذلك مما لا يتمشى فيما نحن فيه.

السابقالتالي
2